ثم يود أن يفتدي من ذلك بالأخ والفصيلة ، وهو الأكثر من الأولين فهو أقوى في الحظوة.
الوجه الثاني : أنه ترق باعتبار المحبة وتعلق النفس لقولهم : من أحب شيئا استكثر منه ، فالإنسان ما يستحضر في ذهنه إلا من يحب قصد نزول البلاء ، إنما يود الفداء بمن دونهم في المحبة ، ثم بمن دونهم ، فإن قلت : إنما جرت عادة العرب ، أن يفتدوا آبائهم وأمهاتهم يقولون ، كما في الحديث : بأبي أنت وأمي ، قلت : هذاك بالعرف ، وهذا باعتبار الحقيقة.
قوله تعالى : (كَلَّا).
قال الغزالي : لم تقع في القرآن إلا في النصف الثاني ، والحكمة في ذلك أن الأول أكثر مدني ، والزجر في المدينة إنما كان بالسيف ، قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ) [سورة لتحريم : ٩] ، (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة التوبة : ٢٩] ، (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [سورة التوبة : ٣٦] ، والنصف الثاني : أكثره مكي ، والزجر في الحكمة إنما كان بالقول.
قوله تعالى : (إِنَّها لَظى).
قال بعضهم : هذا يدل على جواز عود الضمير على ما بعده لموافقة الاسم في الخبر للتأنيث.
قوله تعالى : (مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى).
يحتمل أن يكون العطف تأسيسا ، ويكون المراد بأدبر من لم يزل كافرا ويتولى المرتد ، أو المراد بمن أدبر الكافر ، وبمن تولى المنافق ، لأن أقبل على الإيمان بظاهره ، وتولى عنه بباطنه ، وكان القاضي أبو علي عمر بن الربيع يقول : إن كلا هنا ليست للزجر ، لأن الزجر إنما يصلح ، حيث يمكن الانزجار إلا أن لا يكون الزجر على حقيقته ، بل على سبيل التبكيت عليهم ، قال شيخنا : بل هي للزجر ، وتظهر فائدته في الدنيا ، لأنهم إذا سمعوا هذه الآية قد ينزجر بعضهم عن كفره ومخالفته فينجوا من العذاب.
قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [٨٠ / ٤٠٠] ، الزمخشري : المعنى لإشارة الجزع والمنع وتمكنهما منه ، صار كأنه مجبول عليهما ، وكأنه أمر خلقي غير اختياري ، لأن من كان في البطن لم يكن له هلع ، ولأنه ذم والله لا يذم فعله انتهى ، هذا من الكلام الموجه فالمعتزلي يعني به أن الله لا يخلق القبيح الموصوف بالذم ،