فيقول : لا يذم فعله ونحن نحمله على أنه يخلق الخير والشر لكن بها يوصف فعله بالذم عقلا ، بل الكل في حقه حسن ، والعقل لا يحسن ولا يقبح ، وإنما الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه ، فإن قلت : يؤخذ من الآية أن الملائكة أفضل من البشر ، لأن من خلق غير هلوع أفضل ، قلت : إنما يصح هذا لو كان التفضيل عقليا ، لكن عندنا شرعي فلامتناع في خلقه هلوعا وضعيفا ، ومن عجل مع تشريفه ، لأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قوله تعالى : (الَّذِينَ).
الأظهر أن هذا من عطف الصفات لا من عطف الموصوفات لسعة رحمة الله تعالى.
قوله تعالى : (يُصَدِّقُونَ).
عبر بالفعل المضارع لتجرد تصديقهم مهما ورد عليهم خبر من أخبار يوم الدين والإيمان أعم عندنا من التصديق لأنه أخص ، لأن المعاد مستفاد من السمع لا من العقل ، فإن قلت : كلام ابن الحاجب في احتجاجه لأهل السنة على المعتزلة يقتضي أن التصديق عندهم هو الإيمان ، قلت : نص ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية على أن التصديق من عوارض الخبر ، وذكر المتكلمون في الإيمان بوجود الصانع ووحدانيته ، هل يدركه السمع أو الدليل البرهاني العقلي ، وهو الصحيح فمن وحد الله مؤمن مع أنه لم يسمع من أحد دليلا على ذلك فصدقه بل علمه بدليل عقلي ظهر له ، فإن قلت : صدق الدليل البرهاني ، وقلت : لا يسمى ذلك تصديقا ، فإن قلت : قد قسم المنطقيون العلم إلى تصور وإلى تصديق ، فترى التصديق على نفس العلم بالشيء من غير سماع خبر ، قلت : هذا كاصطلاح هؤلاء وما كلامنا إلا في اصطلاح أهل علم الكلام ، وقول الزمخشري : يصدقون بيوم الدين تصديقا بأعمالهم واستعدادهم له إشارة إلى مذهبه ولا ينافى مذهبنا نحن.
قوله تعالى : (مُشْفِقُونَ).
عبر هنا بالاسم إشارة إلى أنهم مهما سمعوا وعظا وزجرا ثبت لهم الخوف دائما من غير زوال ولا انتقال ، وذكر أبو طالب في القوت هنا كلاما خلفا لا ينبغي ، وحاصله أن صنفا من الملائكة حصل لهم كمال الخشية ، بحيث لا يعتقدون أنهم ينجوا من العذاب ، والذي يجب اعتقاده أن الملائكة معصومون.
قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ).