الأول : مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأمور ، فما سوى الله معدوم وليس في الوجود إلا هو.
ثم عليهم المقتصدون ، وهم أصحاب اليمين ، قالوا : الممكنات موجودة فتفتقر إلى مميز ، وهو الله ولم ينظروا للأشياء من حيث هي بل ينظروا إلى ظواهرها ، فلم تكن الإشارة كافية لهم ولم يكن لفظه هو تامة الإفادة في حقهم ، فافتقروا معها إلى مميز ، فقيل : [...] هو الله ، إنه يفيد افتقار غيره إليه واستغناؤه هو عن غيره.
ثم عليهم أصحاب الشمال ، يجوز تعدد الإله ، فقال (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) لأجل هؤلاء ، ولما كان الله أحد في ذاته لزم أن لا يكون متميزا ولا جوهرا ولا عرضا ، ولا في مكان ولا جهة ، ولا يشبه شبه أحد غني عن كل أحد ، قال : وفيه سران معنوي ، ولفظي ، فلا يحصر في عقولهم موجود لذاته سوى الأجل المحق ، فإن واجب الوجود لذاته واحد ، وما عداه ممكن لذاته معدوم في نفسه ولذلك قال (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [سورة القصص : ٨٨] فكانت الإشارة بهذا كافية لهم في تفسير الشأن ، وأما اللفظي عن وجوه :
أحدها : أن لفظ هو مركب في الواو والهاء أصل لوجهين :
أحدهما : أن الواو تسقط مع التثنية والجمع ، تقول : هما وهم فإنها الأصل ، وهي حرف واحد فدل على الواحد الشيء ، وليس لشيء من الأسماء هذه الخاصية ، ألا ترى أنه تعالى خلق جميع [.....] كاليدين والرجلين ومدخل الغذاء والهواء ومخرجهما ، ثم خلق القلب واحد ؛ لأنه محل المعرفة ، واللسان واحد ؛ لأنه محل الذكر ، والجبهة واحدة ؛ لأنها محل السجود ، فكانت الأعضاء أشرف من غيرها ، وكذلك الهاء في قولنا : هو.
الثاني : أدخل حروف الحلق ، والواو حرف يتولد من الشفتين.
والثالث : أن الهاء باطن والواو ظاهر ، هذان حرفان يتولدان من أول المخرج وآخره ، فيصدق عليهما كونهما أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، فكان الاسم الأعلى الحق الموصوف بذلك.
قال الزجاج : وأما الأحد أصله لغة الواحد ، أن يقال : وحد موحد فهو وحد كحسن محسن فهو حسن ، ثم انقلبت الواو همزة ، ومنه امرأة أنتما وونتما ، والفرق بينهما لوجوه :
الأول : أن الواحد مفتتح العدة ، يقال : واحد اثنان ، ولا يقال : أحد اثنان.