(مِنْ قَبْلُ) ، قلت : أما إذا كانت ظاهرة فيصح التصريح ، بخلاف الظاهر فلا تناقض أو تقول : إنها ليست للترتيب ، وذكر القبلية ليعلم إذ لا يعلم ذلك عقلا والتاريخ فما اشتمل عليه القرآن العظيم.
قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ).
برهان ودليل بعد الوعظ والتخويف ، فإن قلت : لم أفرد السماء والمناسب باعتبار الفهم الجمع لأنه إذا كان خلق السماوات بقوة فأحرى السماء الواحدة ، قلت : الآية إنما سيقت لبيان أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وأن ذلك دليل على كمال اتصافه بالقدرة والقوة الشديدة ، فإذا كان خلق السماء الواحدة دليل على اتصافه بالقوة الشديدة ، فأحرى أن يدل على ذلك خلق السماوات كلها ، وقرئ برفع السماء والواو على ذلك والحال لا عاطفة ، كما قال سيبويه في قوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [سورة آل عمران : ١٥٤] والمعنى أن قوم نوح أهلكوا حالة وجود الدليل الدال على كمال قدرة الله تعالى وشدة بطشه.
ووقع في كلام القاضي الباقلاني ما يدل على أن السماء كروية ، لأنه لما دخل بلاد الروم رسولا عن الملك ناظره بعض النصارى ، فقال له : كيف تزعمون أن القمر انشّق لنبيكم ودخل نصفه تحت الأرض وبقى نصفه في السماء لو كان كذلك لرآه كل أفق؟ فقال له القاضي : يلزمكم هذا في المائدة التي نزلت على نبيكم هل انفردتم برؤيتها أو رآها جميع أهل الأرض ، فانقطع الرومي ، فقال له القاضي أبو بكر : الجواب : ما قلته أنك كما تشاهد كسوف الشمس والقمر في قطر دون قطر ، وفي موضع صلاة الظهر وفي آخر وقت صلاة العصر ، وكذلك يتصور اختصاص رؤية انشقاق بقطر دون قطر ، انتهى. وهذا إنما يتم له على أن السماء كروية وكذا الأرض ، وأقوى أدلة المنجمين على أنها كروية اختلاف أزمان الكسوف في الأقطار ، فتكشف الشمس عند باب تونس مثلا في أول النهار وفي أقصى المغرب بعد مضي ساعتين أو ثلاثا ، ولو كانت بسيطة لزم استواء الجميع في وقت رؤية الكسوف ، والأرض أصلها كروية لكن تحديث بأشياء وضعت على أجنابها كما تؤخذ الكرة فتصير مثمنة أو مربعة فتتحدب.
قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ).
المراد بذلك النقيضان كالحركة والسكون ، والاجتماع والاقتران ، والحياة والموت ، والإسلام والكفر ، والغناء والفقر.