وقال أهل السنة : إن كان خلقهم ليعبدوه فقد وجد من لا يعبده ولا يصح أن يكون في خبره خلف ، وأيضا فإنه غني عن عبادتهم ، وظاهر الآية أنه خلقهم لما هو غني عنهم ، قال : والمعنى الصحيح في الآية : (لِيَعْبُدُونِ) أي لتجري أفعالهم على مقتضى قضائي فيكون فعل العبد على مقتضى حكم المولى ، وقد فهم بعض الصالحين هذا ، فقيل له : ما أراد الله من الخلق؟ فقال : ما هم عليه ، قال : والغافلون ظنوا أن العبادة في الآية بمعنى الطاعة ، ورأوا بعض الخلق عصاة فطلبوا الآية معنى عن معناه ، فخلطوا ولو فهموا معنى السجود ، في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [سورة الرعد : ١٥].
قال : كافر يكفر بلسانه وجوارحه كلها مؤمنة نعم ولسانه الكاذب شاهد لله عليه ما بدله ، وقال تعالى (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [سورة الإسراء ٦٥ ، سورة الحجر : ٤٢] فأضافهم إلى نفسه مما وهبهم من الحفظة ، وأطال الكلام في ذلك بما هذا حاصله ، فإن قلت : هلا قيل : وما أريد منهم إطعاما ، كما قال : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) ، قلت : قصد التمثيل بحال الخلق في الشاهد لأن الرزق في الشاهد دائم ، والإطعام إنما يكون شيئا بعد شيء ووقتا دون وقت فهو متجدد والرزق دائم.
قوله تعالى : (ذَنُوباً).
أي خطأ ، وظاهر استعمال الأدباء له أنه خاص بالشر ، ويصح أن يكون مشتركا بينه وبين الخير ، ومنه حديث الموطأ : " أمر بذنوب ماء فصبه على بول الأعرابي" ، وفي البخاري ومسلم في فضائل عمر : فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، ويؤخذ من الآية أن الصحبة تصدق بمطلق المشاركة في الوصف ، والمتحدثون مطبقون على منع ذلك وإنما اختلفوا ، فمنهم من يطلقها على المشاركة في الزمان ويجعل الصحابي من عاصر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وإن لم يره ، ومنهم من يقيد ذلك بالرؤية فإن هذه لغة وذلك اصطلاح ، قلت : بل هذا عرف فيصح فيمن اتصف بالكفر والعصيان يقال : هذا صاحب فرعون.
قوله تعالى : (مِنْ يَوْمِهِمُ).
هو واحد بالنوع ، فصدق على كل ما فسره به المفسرون ، وعبر بالكفر الذي هو أخص ومنعهم لأنه رتب عليه الوعيد الأخص.