(الوجه الثالث) من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي وعدم جريان شيء من الأصول العملية فيها لا كلا ولا بعضاً هو كون التمسك بدليل الأصل في كل من الأطراف تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فإذا لم يصح التمسك بدليل الأصل في شيء منها وجب الاحتياط عقلا إذ المفروض ان العلم الإجمالي مؤثر في التنجيز لا محالة ولو بنحو الاقتضاء فإذا لم يثبت الترخيص الشرعي المانع عن تأثير العلم في التنجيز أثر العلم قهراً في التنجيز لوجود المقتضي وفقد المانع (وبيان هذا) كله مما يبتني على ذكر مقدمات أربع.
(الأولى) ان المعلوم بالإجمال سواء كان حكماً تكليفياً أو وضعياً أو موضوعاً من الموضوعات هو مما يحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي بمعنى ان له واقع معين نحن لا نعلمه إثباتاً وإن علمنا إجمالا انه مما لا يخرج عن هذين الطرفين وهذا واضح.
(الثانية) ان العلم تابع للمعلوم فإن العلم من الصفات الحقيقية ذات الإضافة وإضافته شبه خيط متصل من النّفس إلى متعلق العلم فطرف منه متصل بالنفس وطرفه الآخر متصل بالمتعلق أي بالمعلوم (وعليه) فكما ان المعلوم بالإجمال مما يحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي وله واقع معين وموضع خاص نحن لا نعلمه إثباتاً فكذلك العلم المتعلق به مما يحتمل قهراً وجوده في كل منهما بتبع المعلوم بالإجمال وله واقع معين وموضع خاص نحن لا نعلمه إثباتاً.
(الثالثة) أن العلم المحتمل وجوده في كل من طرفي العلم الإجمالي بتبع احتمال وجود المعلوم بالإجمال هو مانع عن الأصول العملية فإن المستفاد من أدلتها على اختلاف ألسنتها ان الشك موضوع للأصل العملي قد أخذ في لسان الدليل شرعاً فمهما حصل العلم ارتفع الشك ولم يجر الأصل العملي أبداً.
(الرابعة) أن مع احتمال وجود المانع في كل من طرفي العلم الإجمالي يكون التمسك بدليل الأصل فيه تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية فلا يجوز التمسك به