قال الفخر الرازي : في تأويل هذه الآية وجوه ، أحدها ـ وهو قول أبي مسلم والقفّال ، وهو الأليق بأصول المعتزلة ـ : معناه أنّه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر ، وإنّما بناه على التمكّن والاختيار.
قال : احتجّ القفّال على أنّ هذا هو المراد ، بأنّه تعالى لمّا بيّن دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للعذر ، قال بعد ذلك : إنّه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل ، للكافر عذر في الإقامة على الكفر إلّا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه ، وذلك ممّا لا يجوز في دار الدنيا ، الّتي هي دار الابتلاء ؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان.
قال : ونظير هذا قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)(١). وكذا قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(٢). وقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(٣).
قال : وممّا يؤكّد هذا القول أنّه تعالى قال ـ بعد هذه الآية (آية نفي الإكراه) ـ : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ). يعني ظهرت الدلائل ووضحت البيّنات ، ولم يبق بعدها إلّا طريق القسر والإلجاء والإكراه ، وذلك غير جائز ، لأنّه ينافي التكليف (٤).
***
وقال أبو عليّ الطبرسيّ : في الآية عدّة أقوال : أحدها ، أنّه في أهل الكتاب خاصّة ، حيث يؤخذ منهم الجزية. عن الحسن وقتادة والضحّاك.
وثانيها : أنّه في جميع الكفّار ، ثمّ نسخ. عن السدّي وغيره.
وثالثها : أنّ المراد : لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب : أنّه دخل مكرها ، لأنّه إذا رضي بعد الحرب وصحّ إسلامه فليس بمكره. عن الزجّاج.
ورابعها : أنّها نزلت في قوم خاصّ من الأنصار ، حسبما جاء في أسباب النزول. عن ابن عبّاس وغيره.
وخامسها : أنّ المراد : ليس في الدين إكراه من الله ، ولكن العبد مخيّر فيه ؛ لأنّ ما هو دين في
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٢٩.
(٢) يونس ١٠ : ٩٩.
(٣) الشعراء ٢٦ : ٤.
(٤) التفسير الكبير ٧ : ١٤ ـ ١٥.