قال : فأمّا نظير «صرهنّ أملهنّ واجمعهنّ» فقول الشاعر (١) :
وجاءت خلعة دهس صفايا |
|
يصور عنوقها أحوى زنيم |
والمعنى أنّ هذه الغنم يعطف عنوقها هذا الكبش الأحوى (٢).
قلت : ظاهر كلامه : أنّ تفسير «صرهنّ» بمعنى «أملهنّ» هو المعوّل عند أهل اللّغة والمعتمد عند أكثرهم. وأمّا تفسيره بمعنى «قطّعهنّ» فهو قول البعض ولا شاهد له. ولذلك جاء بالشاهد لدعم رأي الأكثر.
ومن ثمّ قال ابن منظور : وكلّهم فسّروا «فصرهنّ» : أملهنّ. ثمّ قال : وفسّر بمعنى «قطّعهنّ» ، على قراءة الكسر. أي جاء تفسيره بالتقطيع عن بعضهم على هذه القراءة. قال : ومن قرأ : «فصرهنّ إليك» بالكسر ، ففيه قولان ، أحدهما : أنّه بمعنى صرهنّ. يقال : صاره يصوره ويصيره ، إذا أماله. لغتان ، أي بمعنى واحد ، كما ذكره اللحياني (٣). والقول الآخر : إنّه بمعنى قطّعهنّ. قال : فيستدعي تقديما وتأخيرا في الكلام ، كما ذكره الجوهري (٤)(٥).
قال ابن دريد (ت : ٣٢١) : والصّور ، مصدر صرته أصوره صورا ، إذا عطفته. قال الشاعر :
وما تقبل الأحياء من حبّ خندف |
|
ولكنّ أطراق الرماح تصورها |
قال : وقد قرئ (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي ضمّهنّ إليك.
__________________
(١) هو المعلّى بن جمال العبدي ، وجاء بعده :
يفرّق بينها صدع رباع |
|
له ظأب كما صخب الغريم |
والخلعة ـ بضمّ الخاء وكسرها ـ : خيار المال وأريد به هنا خيار الغنم. والغنم ، جمع لا مفرد له من لفظه وواحده الشاة.
والدّهس ، جمع الأدهس : ما كان لونه الدّهسة وهي السواد إذا أشرب بالحمرة. والصفيّة ، جمعها صفايا : الشاة الغزيرة اللبن. وأحوى ـ وأريد به التيس ـ الضارب لونه من الحمرة إلى السواد. والزّنمة : قطع أذن البعير أو الشاة ، دليلا على أنّه من كرام الإبل أو الشاة. والصّدع : الفتيّ القويّ. والظأب : صياح التيس. والرّباع : حسن الحال قويّ شديد. والصّخب : شدّة الصوت واختلاطه. والغريم ـ هنا ـ الدائن المطالب. يعلو صوته بالمطالبة.
(٢) معاني القرآن ، للزجّاج ١ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦.
(٣) راجع : المحكم لابن سيده ٨ : ٣٧١.
(٤) الصحاح ٢ : ٧١٧.
(٥) لسان العرب ٤ : ٤٧٤.