قاسية جافية ، ولعن ملوكهم الأربعة ، وأخيرا لعن «المحلّل والمحلّل له» ومن يوالي غير مواليه (أي ينتسب غير نسبه) ومن ادّعى نسبا لا يعرف ، والمتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال. (ولعلّه كان شائعا آنذاك لدى أبناء الجاهليّة).
ولعن من أحدث في الإسلام أو آوى محدثا ، (الأمر الّذي وقع إثر وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم) ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه.
ولعن من لعن أبويه. قيل : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهل يلعن أحد أبويه؟ فقال : نعم ؛ يلعن آباء الناس وأمّهاتهم ، فيلعنون أبويه ...» إلى آخر الحديث (١).
قال العلّامة المجلسيّ ـ في الشرح ـ نقلا عن ابن الأثير : ومعنى لعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم المحلّل والمحلّل له ، هو أن يطلّق ثلاثا فيتزوّجها آخر على شريطة أن يطلّقها بعد. وعن الطيبي ـ في شرح المشكاة : وإنّما لعن ، لأنّه هتك مروّة وقلّة حميّة وخسّة نفس. وهو بالنسبة إلى المحلّل له ظاهر. وأمّا المحلّل فإنّه كالتيس يعير نفسه بالوطئ لغرض يعود إلى الغير.
قال المجلسيّ : مع الاشتراط ذهب أكثر الفقهاء من سائر المذاهب إلى بطلان النكاح (نكاح المحلّل). وأوّلوا التحليل إلى قصده ؛ قال : ولا يبعد القول بالبطلان على أصول أصحابنا أيضا.
قال : ويمكن أن يؤوّل الخبر إلى وجهين آخرين : أحدهما أن يكون إشارة إلى تحليل القتال في الأشهر الحرم ، للنسيء ـ كما هو معروف ـ وقال الزمخشري : كان جنادة بن عوف الكنانيّ مطاعا في الجاهليّة ، وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلا صوته : إنّ آلهتكم قد أحلّت لكم المحرّم فأحلّوه ، ثمّ يقوم في القابل فيقول : إنّ آلهتكم قد حرّمت عليكم المحرّم فحرّموه. قال : وثاني الوجهين : أن يكون المراد مطلق تحليل ما حرّم الله (٢).
قلت : ولعلّ هذين الوجهين أولى من الوجه المعروف ، وذلك نظرا لموقعيّة كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم حينذاك في ملأ من المسلمين ومن واكبهم من قريش والمؤلّفة ، إذ لا مناسبة لإرادة محلّل النكاح؟!
__________________
ـ الرجل : اشتدّ وغلظ صوته. وأصحاب الوبر هم : الرحّل الّذين يعيشون تحت الخيام وهي من الوبر وهو من الإبل كالصوف للغنم. وهذا كناية وتشنيع بعيينة بن حصن ، حيث مفاخره بقومه أصحاب البادية.
(١) الكافي ٨ : ٦٩ ـ ٧٢ ، ضمن ٢٧.
(٢) البحار ٢٢ : ١٣٦ ـ ١٣٩ / ١٢٠.