الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي صدّق الرسول بجميع هذه الأشياء الّتي جرى ذكرها ، وكذلك المؤمنون.
قال : ومعنى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) أي لا نفعل كما فعل أهل الكتاب قبلنا ، الّذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض (١).
وقد تقدّم الكلام على نظيره عند قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(٢).
قوله : (وَمَلائِكَتِهِ).
والإيمان بملائكة الله طرف من الإيمان بالغيب (٣) ، الّذي تحدّثنا عن قيمته في حياة الإنسان ، ويخرج به من نطاق الحواسّ المضروب على الحيوان ، ويطلقه يتلقّى المعرفة ممّا وراء هذا النطاق الحيواني ، كما يجعله يستهدف الانطلاق إلى تلك الحياة الخالدة الّتي تخرق هذا النطاق المحدود ، (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٤).
(وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا ...). والسمع كناية عن الرضا والقبول لكلّ ما جاءهم من عند الله.
والطاعة : الامتثال لكلّ ما أمرهم الله به ، من غير تبعيض ولا تفريق. نعم ، الإيمان الصادق : ما وقر في القلب وصدّقه العمل. كما وأنّ مع السمع والطاعة قد يأتي الشعور بالتقصير والعجز عن توفية آلاء الله حقّ شكرها ، وفرائض الله حقّ أدائها.
فحان وقت الالتجاء إلى رحمة الله ، لتتدارك تقصيرهم وعجزهم ، بسماحته تعالى : (غُفْرانَكَ رَبَّنا).
والكلمة الحاسمة لمنتهى الإيمان بالله والشعور بالتقصير لديه ، هو الاعتراف بأنّا لله وأنّا إليه راجعون ، وأنّه تعالى هو المالك لأزمّة الأمور ، يوم الدين : (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ، ربّنا ، إليك الرجعى وإليك المنتهى ، فلا ملجأ إلّا إليك ولا مطمع إلّا فيك ، وأنت أنت الغفور الرحيم.
نعم ، إنّها الوحدة الكبرى ، طابع العقيدة الإسلاميّة الفضلى ترسمها هذه الآية القصيرة : الإيمان بالله وملائكته والإيمان بجميع كتبه ورسله ، بلا تفريق بين الرسل ، والسمع والطاعة ، والإنابة إلى الله
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : ١ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.
(٢) البقرة ٢ : ١٣٦.
(٣) في مطلع السورة.
(٤) العنكبوت ٢٩ : ٦٤.