واليقين بيوم الحساب.
هذه العقيدة اللّائقة بأن تكون ختام العقائد وآخر الرسالات.
***
ثمّ إنّ هذه العقيدة ، في الوقت الّذي ترفع بالإنسان عن البهيميّة وتجعله ذا مسؤوليّة ، وتفرض عليه تكاليف متناسقة مع طاقاته بلا مشقّة ولا إعنات ، ومتناسبة مع حاجات الجسد والعقل والروح في تناسق يمثّل الفطرة الّتي فطر الإنسان عليها ، كما وتحمّل الإنسان تبعة اختياره للطريق الّذي يختار : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ). وهكذا يتحكّم العدل في التكليف ، وفي تحمّل تبعة الاختيار في السلوك. (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(١).
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)(٢).
***
نعم ، تلك ظاهرة دينيّة يلمسها كلّ من تعمّق في أصول الديانات وأن لا تكليف فوق الطاقات ، وأنّ الجميع مسؤولون عن سلوكهم فيما يختارونه من طريق.
وكأنّ المؤمنين وعوا هذه الحقيقة وأدركوها حقّ إدراك ، فها هو ذا ينطلق من قلوبهم دعاء خائف واجف : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) نسيانا وخطأ عن قصور أحيانا ، الأمر الّذي قد يستوجب المؤاخذة عليه.
لكنّ الإنسان إنسان قد تعتريه غفوة وغفلة ، فيستوجب عفوا ومغفرة.
(رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) تكليفا شاقّا ، عقوبة على ما قد يفرط منّا غفوة ، (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) على أثر شقاقهم وتفريطهم في جنب الله.
وهذا يعني : أن يعصمهم الله من اقتراف ما يستوجب الشقاء ، فلا يتفرّطوا فيما تفرّطوا فيه.
(رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من العقوبات والبلايا والفتن والمحن غير المستطاعة (٣).
__________________
(١) الشمس ٩١ : ٧ ـ ١٠.
(٢) النجم ٥٣ : ٣٩ ـ ٤١.
(٣) المنار ٣ : ١٥١.