قال العلّامة الطباطبائي : ليس المراد بالتحميل هنا ، التكليف بما لا يطاق ، إذ لا تكليف ذاتا بما لا يطاق ، حيث قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، فإذن فلا تكليف بغير المستطاع ، حتّى يطلب الإعفاء عنه.
بل المراد : جزاء السيّئات جزاء يحرجهم إحراجا شديدا فوق طاقتهم ، إذ قد يعاقب المؤمن على بعض تفريطاته ولغرض تطهيره ، ببلاء يمكن تحمّله عادة ، كالأمراض والأضرار وبعض الخسائر الماليّة أو النفسيّة ، فهذا ممّا يمكن إطاقته.
أمّا المعاقبة بنزول عذاب صارم أو رجز قائم ، كما في الأمم السابقة ، فهذا ممّا لا يمكن إطاقته وربّما كانت مبيدة ومهلكة إلى حدّ بعيد.
فأمثال هذه العقوبات المحرجة نهائيّا ، ممّا يطلب الإعفاء عنه. وفي الأحاديث : إعفاء هذه الأمّة من أمثال تلك العقوبات المبيدة (١).
***
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
العفو : محو السيّئة. والغفران : سترها. ويدخلان جميعا تحت رحمته تعالى الواسعة.
قوله : (أَنْتَ مَوْلانا) تعليل لطيف لاستجابة طلب الرحمة ، حيث لا يرحم العبد إلّا مولاه الكريم.
ومن ثمّ نشط الداعي في دعائه ، فطلب النصرة حيث أعوزته الحجّة ، لو لا أن يمدّه تعالى بالفوز في حجّته على من ناوأه من أهل الكفر والعناد ، (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)(٢) ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٣) بغلبة حجّتهم أبدا. وهذا وعد من الله حتم : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ)(٤)(وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(٥). وصدق الله العليّ العظيم.
__________________
(١) الميزان ٢ : ٤٧٥ ، بتوضيح وتفصيل.
(٢) محمّد ٤٧ : ١١.
(٣) البقرة ٢ : ٢٥٧.
(٤) غافر ٤٠ : ٥١.
(٥) الصافات ٣٧ : ١٧٣.