الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (الرعد ـ ١٤) وأمثال هذا في القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر وهو يتضمّن دعاء العبادة ، لأنّ السائل أخلص سؤاله لله وذلك من أفضل العبادات ، وكذلك الذاكر لله والتالي لكتابه ونحوه طالباً من الله في المعنى فيكون داعياً عابداً.
فتبيّن بهذا من قول شيخ الاسلام إنّ دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة ، كما انّ دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة» (١).
فمن هذا البحث الضافي حول الدعوتين وكون إحداهما مسألة عبادية ، والأُخرى مسألة غير عبادية ، تتضح أُمور :
الأوّل : كيف استفاد ابن تيمية من الآية : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) والآية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) انّ طلب الحاجة من أحد تكون دعوة عبادة للمدعو.
فإذا كانت لفظة (ادْعُوا) في قوله سبحانه : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) ولفظة «لا (تَدْعُوا) في قوله سبحانه : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ) بمعنى المناداة فكيف تكون الدعوة الطلبية مستلزمة للدعوة العبادية؟
إنّ هاتين الآيتين ـ على فرض دلالتهما ـ (ولا دلالة لهما) لا تدلّان على أكثر من النهي عن دعوة غير الله ، وأمّا أنّ دعوته تكون مستلزمة لعبادته ، فلا يدل ظاهر الآية عليه أبداً إذ أنّ النهي عن الشيء ليس دليلاً على كون المنهي عنه مصداقاً للعبادة.
الثاني : انّ الدعوة الطلبية إنّما تستلزم الدعوة العبادية إذا اعتقد الداعي بألوهية المدعو على مراتبها ، ففي هذه الموارد تستلزم الدعوة الطلبية : الدعوة
__________________
(١). فتح المجيد : ١٦٦.