ففي حين يصف القرآن النبي الأعظم بالرمي ، إذ يقول بصراحة (إِذْ رَمَيْتَ) نجده يصف الله بأنّه هو الرامي الحقيقي. وذلك لأنّ النبي إنّما قام بما قام بالقدرة التي منحها الله له ، فيكون فعله فعلاً لله أيضاً ، بل يمكن أن يقال : إنّ انتساب الفعل إلى الله (الذي منه وجود العبد وقوّته وقدرته) أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد بحيث ينبغي أن يعتبر الفعل فعلاً لله لا غير ولكن شدّة الانتساب هذه لا تكون سبباً لأن يكون هو الله سبحانه مسئولاً عن أفعال عباده ، إذ صحيح أنّ المقدمات الأوّلية للظاهرة مرتبطة بالله وناشئة منه إلّا أنّه لما كان الجزء الأخير من العلّة التامة هو إرادة الإنسان ومشيئته بحيث لولاها لما تحققت الظاهرة ، يعد هو مسئولاً عن الفعل.
هذا وحيث إنّنا ركّزنا البحث ـ في هذه الرسالة ـ على بيان موازين التوحيد والشرك من وجهة نظر القرآن الكريم ، لذلك تركنا الأدلة العقلية على هذا القسم من التوحيد ، غير أنّ القرآن الكريم أشار في موضعين إلى برهان هذا القسم فنذكرهما بتوضيح إجمالي فنقول :
إنّ القرآن استدلّ على وحدة المدبّر في العالم ببرهان ذا شقوق ، وقد جاء البرهان ضمن آيتين تتكفّل كل واحدة منهما بيان بعض الشقوق من البرهان ، وإليك الآيتين :
(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء ـ ٢٢).
(وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون ـ ٩١).
وإليك مجموع شقوق البرهان :