فالإمعان في معنى الآية وملاحظة أنّ هؤلاء المشركين كانوا يقومون بعملين : (العبادة وطلب الشفاعة كما يدل عليه قوله : (وَيَعْبُدُونَ) ويقولون) يكشف عن أنّ علّة اتّصافهم بالشرك واستحقاقهم لهذا الوصف كانت لأجل عبادتهم لتلك الأصنام لا لاستشفاعهم بها ، كما لا يخفى.
ولو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها في الحقيقة لما كان هناك مبرر للإتيان بجملة أُخرى أعني قوله : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) بعد قوله : (وَيَعْبُدُونَ) إذ كان حينئذ تكراراً.
إنّ عطف الجملة الثانية على الأُولى يدل على المغايرة بينهما ، إذن لا دلالة لهذه الآية على أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة فضلاً عن كون الاستشفاع بالأولياء المقرّبين عبادة لهم ، نعم قد ثبت أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة لهم بملاك آخر غير موجود في الاستشفاع بالنبيّ ، كما سيوافيك في التالي.
٢ ـ إنّ هناك فرقاً بين الاستشفاعين فالوثني يعتبر الصنم ربّاً مالكاً للشفاعة يمكنه أنّ يشفع لمن يريد وكيفما يريد. والاستشفاع بهذه العقيدة شرك ، ولأجل ذلك يقول سبحانه نقداً لهذه العقيدة.
(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (الزمر ـ ٤٤)
والحال أنّ المسلمين لا يعتقدون بأنّ أولياءهم يملكون هذا المقام فهم يتلون آناء الليل وأطراف النهار قوله سبحانه :
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة ـ ٢٥٥)
ومع هذا التفاوت البيّن والفارق الواضح كيف يصح قياس هذا بذلك؟
والدليل على أنّ المشركين كانوا معتقدين بكون أصنامهم مالكة للشفاعة أمران :