(لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (مريم ـ ٨٧)
وقوله سبحانه : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) (الزخرف ـ ٨٦)
هو : أنّ المتّخذين للعهد والشاهدين بالحق يملكون الشفاعة كما هو مقتضى الاستثناء.
لكن المراد من المالكية في هاتين الآيتين هو : المأذونية بقرينة سائر الآيات لا المالكية بمعنى التفويض وإلّا لزم الاختلاف والتعارض بين مفاد الآيات ، وما ورد في السير والتواريخ من أن المشركين كانوا يقولون عند الإحرام والطواف : (الّا شريك هو لك تملكه وما ملك) (١) يحتمل الأمرين.
وبذلك يظهر ضعف الاستدلال بالآية الثانية : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا ...) إذ حمل ابن عبد الوهاب قوله سبحانه : (ما نَعْبُدُهُمْ) على طلب الشفاعة مع أنّ الآية المتقدمة صريحة في مغايرة العبادة لطلب الشفاعة.
نعم إنّما يكون عبادة إذا اتَّخذ الشافع المدعو إلهاً أو من صغار الآلهة ـ كما تقدم ـ.
وأمّا ما اعترف به ابن عبد الوهاب (ضمن كلامه المنقول سلفاً) من أنّ الله أعطى الشفاعة لنبيّه ولكنّه تعالى نهى الناس عن طلبها منه فغريب إذ لا آية ولا سنّة تدل على النهي عن طلبها مضافاً إلى غرابة هذا النهي من الناحية العقلية إذ مثله أن يعطي للسقاء ماء وينهى الناس عن طلب السقي منه ، أو يعطي الكوثر لنبيّه وينهى الأُمّة عن طلبه.
وأمّا قوله تعالى : «فلا تدعوا مع الله احداً» وهي ثالثة الآيات التي استدلّ بها ابن عبد الوهاب فسيوافيك مفادها عن قريب حيث نبيّن ـ هناك ـ أنّ المراد من
__________________
(١). الملل والنحل : ٢ / ٢٥٥.