ولكنه مدفوع ، بأنّ إعطاء القدرة دليل على المأذونية في أعمالها في الجملة ، إذ لا معنى لأن يعطيه الله القدرة ويمنعه عن الأعمال مطلقاً ، أو يعطيه القدرة ويمنع الغير عن طلب اعمالها.
ويكفي في الجواز ، كون الأصل في فعل العباد ، الجواز والإباحة ، دون الحظر والمنع إلّا أن ينطبق على العمل أحد العناوين المحرمة في الشرع.
وأخيراً نذكّر القارئ الكريم بأنّ مؤلف المنار حيث إنّه لم يتصوّر للاستعانة بالأرواح إلّا صورة واحدة ، لذلك اعتبرها ملازمة للشرك فقال :
«ومن هنا تعلمون : أنّ الذين يستعينون بأصحاب الأضرحة والقبور على قضاء حوائجهم وتيسير أُمورهم وشفاء أمراضهم ونماء حرثهم وزرعهم ، وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح هم عن صراط التوحيد ناكبون ، وعن ذكر الله معرضون» (١).
ولا يخفى عدم صحّته إذ الاستعانة بغير الله (كالاستعانة بالعوامل الطبيعية) على نوعين :
أحدهما : عين التوحيد ، والآخر : موجب الشرك ، أحدهما : مذكّر بالله ، والآخر : مبعد عن الله.
إنّ حد التوحيد والشرك ليس هو كون الأسباب ظاهرية أو غير ظاهرية ، إنّما هو الاستقلال وعدم الاستقلال ، هو الغنى والفقر ، هو الأصالة وعدم الاصالة.
إنّ الاستعانة بالعوامل غير المستقلّة المستندة إلى الله ، التي لا تعمل ولا تؤثر إلّا بإذنه تعالى ليس فقط غير موجبة للغفلة عن الله ، بل هو خير موجّه ، ومذكّر بالله. إذ معناها : انقطاع كلّ الأسباب وانتهاء كل العلل إليه.
__________________
(١). المنار : ١ / ٥٩.