ونحو ذلك ، ولكن قال : لا يدعى إلّا الله وأنّ الأُمور التي لا يقدر عليها إلّا الله فلا تطلب إلّا منه ، مثل غفران الذنوب وهداية القلوب وإنزال المطر وإنبات النبات ونحو ذلك ، فهذا مصيب في ذلك بل هذا ممّا لا نزاع فيه بين المسلمين أيضاً كما قال تعالى :
(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) (آل عمران ـ ١٣٥)
وقال : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص ـ ٥٦)
وكما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فاطر ـ ٣)
وكما قال تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) (آل عمران ـ ١٢٦)
وقال : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (التوبة ـ ٤٠) (١).
فقد غفل ابن تيمية عن أنّ بعض هذه الأُمور يمكن طلبها من غير الله مع الاعتقاد بعدم استقلال هذا الغير في تحقيقها ، وهذا لا ينافي طلبها من الله مع الاعتقاد باستقلاله وغناه عمّن سواه في تحقيقها.
نعم ، لا تقع هذه الاستعانة مفيدة إلّا إذا ثبتت قدرة غيره سبحانه على إنجاز الطلب ولكنّه خارج عن محط بحثنا ، فإنّ البحث مركّز على كون هذا العمل شركاً أو لا ، وأما كون المستعان قادراً فالبحث عنه خارج عن هدفنا.
وربّما يتوهّم أنّها لا تنفع أيضاً إلّا إذا ثبتت مأذونية الغير من قبله سبحانه في الإعانة ، كما يتوقف على ذلك جواز أصل طلب العون ، وإن كان غير شرك.
__________________
(١). مجموعة الرسائل الكبرى : لابن تيمية ، الرسالة الثانية عشرة : ٤٨٢.