ومن جملة هذه الروايات قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«قد كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فقد أُذن لمحمد في زيارة قبر أُمّه فزوروها فإنّها تذكّر بالآخرة».
رواه الخمسة إلّا البخاري واللفظ للترمذي.
ولا تنحصر الروايات الواردة في هذا المجال بهذا بل هناك روايات متضافرة جمعها العلّامة السمهودي في كتابه «وفاء الوفا» (١).
غير أنّنا نريد هنا أن نستدل لجواز هذا العمل بنفس الكتاب العزيز فنقول :
إنّ الله سبحانه نهى نبيّه عن الوقوف على قبور المشركين والصلاة عليهم إذ قال :
(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (التوبة ـ ٨٤).
فالآية الكريمة تنهى عن الوقوف على قبر المنافق والمشرك والصلاة عليه كما تدل عن طريق المفهوم ؛ على أنّ القيام عند قبور المؤمنين والدعاء لهم ، والصلاة عليهم كان من سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس المراد بالقيام هو خصوص القيام عند الدفن حتى لا يشمل القيام للزيارة لعدم الدليل على التقييد واللفظ مطلق.
ولأنّ المعنى بحكم واو العطف : لا تقم على قبره أبداً يعني في جميع الأزمان فيشمل ما بعد الدفن أيضاً ، كما إذا قيل : ما جاءني زيد قط ولا عمرو ، أو قيل : لا تطعم زيداً أبداً ولا تسقه وهذا واضح.
ولعلّه لما ذكرنا فسّره في «الجلالين» بقوله «لدفن» أو «لزيارة».
ليس المراد من الصلاة خصوص صلاة الميت ، إذ لو أُريد ذلك لم يكن وجه لقوله «أبداً» ضرورة أنّ الصلاة على الميت تجب مرة واحدة ، ولا تتكرر حتى يقول
__________________
(١). وفاء الوفا : ٢ / ٣٩٠٣ ـ ٣٩٠٤.