فلا بأس» (١).
والحق أنّ الحديث الذي تمسّك به الوهابيون لا يدل على حرمة شدّ الرحل إلى زيارة القبور ، والأماكن والمشاهد المشرفة ، وذلك لأنّ الاستثناء الوارد في الحديث مفرَّغ قد حذف فيه المستثنى منه ، فكما يمكن أن يكون تقدير المستثنى منه : «لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة» يمكن أن يكون تقديره : «لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد».
ولكن المتعيّن هو الثاني لكون الاستثناء متصلاً وهو يقتضي تقدير «المسجد» بعنوان المستثنى منه ، لا غيره.
إنَّ الضرورة قاضية بجواز شدّ الرحال إلى طلب التجارة ، وإلى طلب العلم ، وإلى الجهاد ، وزيارة العلماء والصلحاء ، وإلى التداوي والنزهة ، وأنّ المسلمين في مواسم الحج يشدّون الرحال إلى عرفة والمزدلفة ومنى ، وإلى أماكن كثيرة ، ومع ذلك فكيف يمكن أن يُقال : إنّ المراد هو «لا تُشَدُّ الرحال الى مكان من الأمكنة إلّا إلى هذه الثلاث»؟!.
والحاصل أنّه لا يشك من عنده أدنى معرفة باللغة والتراكيب العربية في أنّ المراد بقوله «لا تُشدُّ الرحال» أي لا ينبغي أن يسافر المرء إلى مسجدٍ غير هذه المساجد لا أنّه لا يسافر إلى مكان مطلقاً.
هذا مضمون الحديث ومعناه ومع ذلك لا يُفهم من هذا الحديث وأشباهه حرمة السفر إلى باقي المساجد ، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها بحيث بلغ فضلها أن تستحق شد الرحال والسفر إليها للصلاة فيها.
وأمّا سائر المساجد فليس لها هذا الشأن ، لأنّ المترقّب من الثواب حاصل
__________________
(١). الرسالة الثانية من الرسائل الموسومة ب «الهدية السنية».