ولكن القائل ومن تبعه يغفلون عن نقطة مهمة جداً وهي :
إنّ تعلّق الحكم بموضوع لا يغيّر ـ بتاتاً ـ حقيقة ذلك الموضوع ، ولا يوجب تعلّق الأمر الإلهي به تبدّل ماهيته.
إنّ العقل السليم يقضي بأن سبّ أحد وشتمه إهانة له ـ طبعاً ـ وذلك شيء تقتضيه طبيعة السباب والفحش والشتم ، فإذا أوجب الله سب أحد وشتمه ـ فرضاً ـ فأنّ أمر الله لا يغير ماهية السبب والشتم ـ أبداً ـ.
كما أنّ الضيافة وإقراء الضيف بطبيعتهما تكريم للوافد ، واحترام للضيف ، فإذا حرمت ضيافة شخص لم تتبدّل ماهية العمل ، أعني الضيافة التي كانت بطبيعتها احتراماً ، لتصير إهانة في صورة تحريمها ، بل تبقى ماهية الضيافة على ما كانت عليه ولو تعلّق بها تحريم فإذا عدّت أعمال ـ كالسجود واستلام الحجر الأسود وما شابههما ـ عبادة ذاتاً فإنّ الأمر الإلهي لا يغير ماهيتها ، فلا تخرج من حال كونها عبادة لآدم أو يوسف أو الحجر ، وما يقوله القائل من أنّها عبادة ذاتاً وطبيعةً ، ولكن حيث تعلّق بها الأمر الإلهي خرجت عن الشرك ، يستلزم أن تكون هذه الأعمال من الشرك المجاز ، وتخصيصاً في حكمه وهو لا يقبل التخصيص.
والخلاصة أنّ المسألة تدور مدار إمّا أن نعتبر هذه الأعمال خارجة ـ بطبيعتها عن مفهوم الشرك ، أو أن نقول إنّها من مصاديق الشرك في العبادة ولكنّها شرك أذن الله به وأجازه!!!
والقول الثاني على درجة من البطلان بحيث لا يمكن أن يحتمله أحد فضلاً عن الذهاب إليه ، وسيوافيك أنّ بعض الأعمال يمكن أن تكون باعتبارٍ تعظيماً وتواضعاً ، وباعتبارٍ آخر شركاً ، فلو كانت الملائكة ـ مثلاً ـ تسجد لآدم باعتقاد أنّه إله كان عملهم شركاً قطعاً وإن أمر الله به ـ على وجه الافتراض ـ وأمّا إذا كانت تسجد بغير هذا الاعتقاد لم يكن فعلها شركاً حتى لو لم يأمر به المولى جلّ شأنه.