وأمّا التوحيد في الألوهية فهو التوحيد في العبادة الذي يُعنى منه أن لا يعبد سوى الله ، وقد انصبّ جهد الرسول الكريم على هذا الأمر.
والحق أنّ اتفاق جميع مشركي عهد الرسالة في مسألة التوحيد الخالقي ليس موضع شك ، ولكن تسمية التوحيد الخالقي بالتوحيد الربوبي خطأ واشتباه.
وذلك لأنّ معنى «الربوبية» ليس هو الخالقية كما توهم هذا الفريق ، بل هو ـ كما أوضحنا وبينّا سلفاً ـ ما يفيد التدبير وإدارة العالم ، وتصريف شئونه ولم يكن هذا ـ كما بينّا ـ موضع اتفاق بين جميع المشركين والوثنيين في عهد الرسالة كما ادّعى هذا الفريق.
نعم كان فريق من مثقفي الجاهليين يعتقدون بعدم وجود مدبر سوى الله ولكن كانت تقابلهم جماعات كبيرة ممّن يعتقدون بتعدّد المدبر والتدبير ، وهي قضية تستفاد من الآيات القرآنية مضافاً إلى المصادر المتقدّمة.
هنا نلفت نظر الوهابيين الذين يسمّون التوحيد في الخالقية بالتوحيد في الربوبية إلى الآيات التالية ليتضح لهم أنّ الدعوة الى التوحيد في الربوبية لا تعني الدعوة الى التوحيد في الخالقية بل هي دعوة الى «التوحيد في المدبِّرية» والتصرّف ، وقد كان بين المشركين في ذلك العصر من كان يعاني انحرافاً وشذوذاً من التوحيد الربوبي ، ويعتقد بتعدّد المدبر رغم كونه معتقداً بوحدة الخالق.
ولا يمكن ـ أبداً ـ أن نفسّر الرب في هذه الآيات بالخالق والموجد. وإليك بعض هذه الآيات :
أ ـ (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) (الأنبياء ـ ٥٦).
فلو كان المقصود من الرب هنا هو الخالق والموجد لكانت جملة (الَّذِي فَطَرَهُنَّ) زائدة بدليل أنّنا لو وضعنا لفظة الخالق مكان الرب في الآية للمسنا عدم الاحتياج ـ حينئذ ـ إلى الجملة المذكورة (أعني : الذي فطرهنَّ) بخلاف ما إذا فسّر