ذكرهم في القرآن أثبتوا للشمس الألوهية والتدبير مع القول بوجود إله قاهر حيث قالوا :
«إنّ الشمس ملك من الملائك ولها نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم ، وتكوّن الموجودات السفلية فتستحق التعظيم والسجود والتبخير والدعاء» (١).
وأي الوهية أكبر من تكوين الموجودات السفلية التي ينسبها الله سبحانه في القرآن إلى ذاته.
ومن الصابئة من يقول :
«إنّ القمر ملك من الملائك ، يستحق العبادة وإليه تدبير هذا العالم السفلي والأُمور الجزئية ، ومنه نضج الأشياء المتكوّنة وإيصالها إلى كمالها» (٢).
وليس لأحد أن يفسّر قولهم بأنّ الشمس والقمر كانا ـ في عقيدتهم ـ يحتلّان محل العلل الطبيعية ، وانّهما كانا يقومان بنفس الدور لا أكثر ، فانّ المفروض أنّهم جعلوهما من الملائكة وأثبتوا لهما العقل والنفس والتدبير القائم على التفكير ، وهذا يناسب الالوهية ، وكونهما إلهين ، لا كونهما عللاً طبيعية ، إذ لو كان عللاً طبيعية لما عبدوهما بتلك العبادة. فإذن لا مانع من أن يعتقد المشرك ـ في حين اعتقاده بتوزيع شئون الالوهية بين صغار الآلهة ـ بوجود إله قاهر وهو الذي وزّع الالوهية.
فالعربي الجاهلي كان يعتقد بتفويض المغفرة والشفاعة إلى أصحاب الأصنام والأوثان مع اعتقاده بوجود إله آخر قاهر وأعلى. والمغفرة والشفاعة من شئون الالوهية ، والدليل على أنّهم كانوا يعتقدون بالتفويض ، هو إصرار القرآن على القول بأنّه لا شفاعة إلّا بإذن الله سبحانه :
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة ـ ٢٥٥).
__________________
(١). الملل والنحل للشهرستاني : ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(٢). الملل والنحل للشهرستاني : ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.