«الوجه في هذا الخبر أحد شيئين : أحدهما أن يكون محمولا على التقيّة ، لأنّ ذلك مذهب بعض العامّة على ما قدمنا القول فيه. والآخر أن نقول : بمجرد القذف لا يثبت اللّعان بين اليهوديّة والمسلم ، ولا بينه وبين الأمة ، وانّما يثبت بمجرّد القذف اللّعان في الموضع الّذي لو لم يلاعن وجب عليه حدّ الفرية ، وذلك غير موجود في المسلم مع اليهوديّة ، ولا مع الأمة ، لأنّه لا يضرب حدّ القاذف إذا قذفها ، ولكن يعزّر على ما نبيّنه في كتاب الحدود ، فكأنّ اللّعان ثبت بين هؤلاء بنفي الولد لا غير».
هذا كلامه وفيه نظر لانّ القذف في الصّورة المفروضة إذا أوجب التعزير جاز أن يكون اللّعان لدفعه كما كان لدفع الحدّ فيتم فايدته ، مضافا الى ما دلّ على الثّبوت مطلقا ، ومنه يظهر أنّ القول بالعموم كما هو ظاهر الآية هو الأصحّ.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) يحتمل أن يكون إلّا بمعنى غير صفة لما تقدّمه ، ويحتمل أن يكون ذكرها للمبالغة في نفى الشّاهد أى ليس لهم على ما ادّعوه شهداه رأسا فإنّ النّفوس مدّعية لا شاهدة.
واختلف أصحابنا في اشتراط ذلك في صحّة اللّعان ، فعن بعضهم هو شرط فلا يشرع اللّعان مع البيّنة كما يعطيه ظاهر الآية ، وأنكر آخر ذلك فجوّز واللّعان وان كان له بيّنة.
قالوا : ولا ينافيه ظاهر الآية لأنه مفهوم الوصف وفي حجيّته توقّف ، ولو سلّمت فيجوز أن يكون التّقييد هنا خرج مخرج الأغلب ، إذ الظّاهر أنّ المدّعى لمثل هذه الفاحشة لا يعدل الى اللّعان مع وجود البيّنة عنده ، والتقييد إذا خرج مخرج الأغلب لا يدلّ على نفى الحكم عمّا عداه كما مرّ مرارا ، ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا عن بين العجلاني (١) وزوجته الّذي قيل انّه سبب نزول الآية ولم يسأله أنّ له
__________________
(١) اخرج حديث لعان العجلاني في الدر المنثور ج ٥ ، ص ٢٣ عن عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبى داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن سهل بن سعد ، وأخرجه في المنتقى أيضا عن سهل عن الجماعة إلا الترمذي ـ