الثانية [البقرة : ١٦٨].
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) مثل السّابقة في جعل العموم وقد مرّ تفسيرها في كتاب المكاسب ولكن نذكر الآية الّتي بعدها وهي :
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) الشّيطان (بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ) بيان لعداوته ووجوب الانتهاء عن اتّباعه لأنّه لا يدعو إلى خير قطّ ، وانّما يدعو إلى المعاصي وما يسوء الإنسان أي يضرّه في الدّين والدّنيا ، وأستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على ذلك تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم حيث انّهم فيه بمثابة المأمور المطيع للآمر وإذا كان الآمر المطاع مرجوما مذموما فكيف حال المأمور المطيع وفي هذا معتبر البصر أو مزدجر العقلاء.
قال القاضي : والسّوء والفحشاء ما أنكره العقل واستقبحه الشّرع والعطف لاختلاف الوصفين فإنّه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء لاستقباحه إيّاه وقيل : السوء يعمّ القبائح والفحشاء ما يتجاوز الحدّ في القبح من الكبائر ، وقيل : الأوّل ما لا حدّ فيه والثّاني ما شرع فيه الحدّ.
ولا يذهب عليك انّ كلامه هذا صريح في القبح العقلي الّذي نفاه الأصوليون (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) كاتّخاذ الأنداد وقولهم : هذا حلال وهذا حرام بغير علم بل مقتضى العموم دخول كل ما يقال على الله من غير علم سواء كان إطلاق اسم عليه أو وصفه بصفة أو استناد حكم اليه من الوجوب أو النّدب أو الكراهة أو الإباحة أو التحريم.
قال القاضي : وفيه دليل على المنع من اتّباع الظنّ رأسا وامّا اتّباع المجتهد لما ادّى اليه ظنّ مستند الى مدرك شرعيّ فوجوبه قطعيّ والظنّ في طريقه كما بينّاه في الكتب الأصوليّة ، انتهى.
ولا يذهب عليك انّ مراده بدلالتها على المنع من اتّباع الظنّ فيما ينسب اليه تعالى مطلقا سواء كان من الاعتقاديّات كأصول الدّين أو المتعلّقة بالعمل