في الوصيّة والحكم واحد ومقتضى الآية تقدّم الوصيّة وإن كانت زائدة على الثلث إلّا أنّ الإجماع والأخبار أوجبا تقييدها بكونها من الثلث.
(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي لا تعلمون من أنفع لكم من مورّثكم من اصولكم وفروعكم الّذين يموتون ، من أوصى منهم فعرضكم للثواب بإمضاء الوصيّة أم من لم يوص فيوفّر عليكم المال.
والمراد أنّ الله تعالى أعلم بما هو صلاحكم وأنّ من أوصى فعرضكم للثواب أقرب لكم نفعا وأحضر جدوى ممّن ترك الوصيّة فوفّر عليكم فانّ عرض الدّنيا وان كان عاجلا قريبا في الصورة إلّا انّه فان فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى وثواب الآخرة وان كان آجلا الّا انّه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى.
ويحتمل أن يكون المعنى لا تعلمون من أنفع لكم ممّن ترثون من الأصول والفروع في العاجل والأجل فتحروا فيهم ما وصّاكم الله به ولا تعمدوا الى تفضيل بعض وحرمان بعض فقد روى أن أحد المتوالدين إذا كان أرفع درجة من الأخر في الجنّة سأل الله أن يرفع اليه فيرفع بشفاعته واقتصر في الكشاف (١) على الأوّل ونقل أقاويل أخرى ثمّ قال : وليس شيء من هذه الأقاويل بملائم للمعنى ولا مجاوب له لأنّ هذه الجملة اعتراضيّة ومن حقّ الاعتراض أن يؤكّد ما اعترض بينه ويناسبه والقول ما تقدّم.
ولا يذهب عليك انّ ما ذكرناه ثانيا مؤكد لأمر القسمة كما أنّ الأوّل لتنفيذ الوصيّة فكلا الوجهين حسن مناسب.
(فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) منصوب على أنّه مصدر مؤكد لمضمون الجملة الأولى أي فرض الله ذلك فرضا ويحتمل أن يكون منصوبة بيوصيكم لانّه بمعنى يفرض الله عليكم فريضة فهو مصدر من غير لفظه.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بمصالح خلقه (حَكِيماً) في كلّ ما فرض وقسّم من المواريث وغيرها.
__________________
(١) الكشاف ج ١ ص ٤٨٤.