وهذا هو المدح الموجّه ، والغاية في الإحماد لهم ؛ لأنهم إذا علموه وصدقوا به فقد بلغوا في الإيمان كلّ مبلغ ، ونظيره من كلام العرب قول يزيد بن المفرّغ :
٢٣٣ ـ وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |
٢٣٤ ـ أو بومة تدعو صدى |
|
بين المشقّر واليمامه |
٢٣٥ ـ فالريح تبكي شجوها |
|
والبرق يلمع في الغمامه (١) |
كأنه قال : والبرق أيضا يبكيه لامعا في غمامه ، أي : في لمعانه ، وإلا لم يكن للكلام معنى.
وإنما كان المحكم أمّ الكتاب ؛ لأنه كالأصل في رد المتشابه إليه ، واستخراج علمه منه. وذلك : كالاستواء في المتشابه. إذ يكون بمعنى الجلوس على السرير ، ومعنى القدرة والاستيلاء. وهذا يجوز على الله. والأول لا يجوز بدليل المحكم وهو قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢).
والحكمة في المتشابه البعث على النظر ، والبحث عن علم القرآن ؛ لئلا تهمل الأدلة العقلية.
(يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ). (١٣)
في قصة بدر ، وكان المسلمون ثلثمائة وبضعة عشر ، والمشركون زهاء ألف ، فأراهم الله في أعين المسلمين مثليهم ، وقلّلهم لتثبيت
__________________
(١) الأبيات في خزانة الأدب ٤ / ٣٢٩ ؛ والشعر والشعراء ص ٢٢٧ ؛ وطبقات فحول الشعراء ٢ / ٨٩ ؛ وديوانه ص ٢١٣ ـ ٢١٤. والأول منهما في مجاز القرآن ١ / ٤٨ ؛ وتفسير الطبري ٢ / ٣٤١. والثالث في تأويل مشكل القرآن ص ١٦٨ ؛ والصاحبي ص ٣٩٧. وهو شاعر إسلامي ، وهذه الأبيات من أجود شعره قالها في بيع غلام له كان ربّاه يقال له برد كان يعدل عنده ولده.
(٢) سورة الشورى : آية ١٢.