الذر (١) ، وأعطاهم من العقل وقال : هؤلاء ولدك ، آخذ عليهم الميثاق أن يعبدونني وأرزقهم ثم قال :
(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). (١٧٢)
وهذا صحيح ، قريب معقول ، وكذلك القول في الإعادة : يعاد لكل واحد روحه وبنيته التي تقوم به روحه ، فلا يجب إعادة المريض المدنف والشيخ البالي على صورتهما. فإن قيل : أيّ فائدة فيه ولا نذكره؟
قيل له : إنما أنشأنا الله ذلك في الدنيا ليصح الاختبار ، ولا نكون كالمضطرين (٢). والفائدة : علم آدم وما يحصل له من السرور بكثرة ذريته.
وعن الحسن : عن نعيم الأطفال في الجنة ، ثواب إيمانهم في الذر الأول.
وقيل : إنهم بنو آدم ونسله الموجودون في الدنيا على طول الأيام ، فإنّ
__________________
(١) أخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ واد إلى جنب عرفات ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرها بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) إلى قوله : (الْمُبْطِلُونَ). ـ وقال قوم : معنى قوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) دلّهم بخلقه على توحيده ، لأنّ كلّ بالغ يعلم ضرورة أنّ له ربا واحدا ، فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم والإقرار منهم ، كما قال تعالى في السموات والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).
(٢) وقال أبو بكر الطرطوشي : إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة ، كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وقد نسيه. راجع القرطبي ٧ / ٣١٧. وقال الحدادي : فإن قيل : كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين إخراجهم من صلب آدم؟ قيل : لما أرسل الله الرسل فأخبروهم بذلك الميثاق صار قول المرسل حجة عليهم ، وإن لم يذكروا. ألا ترى أنّ من ترك من صلاته ركعة ونسي ذلك ، فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه. اه. راجع روح البيان ٣ / ٢٧٤.