وعن الحسن (١) رحمهالله : إنّ العالم ما يحويه الفلك.
والأول أولى ؛ لأنه جمع جمع العقلاء ، ولأنّه لا يقال : رأيت عالما من الإبل ، ولأنّ الأصل في اللغة الظهور ، من ذلك : العلم. فالعلم : رأس الجبل ، والعلم : اللواء ، والأعلم : المشقوق الشفة العليا ، لأن ذلك ظاهر بيّن ، والظهور إنما يكون للجمع الكثير وعلى الخصوص فيمن يعقل ؛ فإنهم في الخليقة كالرؤوس والأعلام ، وإنّهم مستدلون كما إنهم أدلّة.
إلا أن يقال : إنّ جميع المخلوقات يدخل في العالم على التبع لما يعقل ، فيكون حسنا لأنّه أعم معنى.
والمالك (٢) : القادر على التصرف ملكا. والملك : القادر عليه أمرا وتدبيرا.
فالأول أخص ظهورا إلا أنّه أشد نفوذا.
واختيار قراءة الملك أو المالك أحدهما على الآخر لا يستقيم مع العلم بأنهما منزّلان (٣) ، وأنّ في كل منهما فائدة على حدة.
و (الدِّينِ) : فسّر بالجزاء والقضاء والحساب والطاعة ، والأصل : الجزاء ؛ لأنّ الحساب للجزاء وكذلك القضاء للمجازاة ، والطاعة والقضاء يقتضي المجازاة عليها ، فتكون تسمية السبب باسم المسبب.
__________________
(١) الحسن بن أبي الحسن البصري يكنى أبا سعيد من سادات التابعين وكبرائهم ، كان إمام أهل البصرة ، وحبر الأمة في زمانه وكان عابدا ناسكا عالما فصيحا لا يخاف في الحق لومة لائم ، توفي سنة ١١٠ ه.
(٢) من قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
(٣) قرأ (مالِكِ) بالألف عاصم والكسائي ويعقوب وخلف. اسم فاعل من ملك. والباقون : (ملك) على وزن (سمع) صفة مشبهة. راجع إتحاف فضلاء البشر ص ١٢٢.