وإنما كرّر (إِيَّاكَ) لأنه بمعنى الكاف في نعبدك ونستعينك ، ولأنّه تعليم أن يجدّد لكلّ دعوة عزيمة وتوجها ، ولا نجمعهما في ربقه ولا نعرضهما في صفقة.
وإنما لم يقل : نعبدك ونستعينك ـ وهو أوجز ـ لأنّ «نستعين» على نظم آي السورة ، ولهذا قدّمت العبادة على الاستعانة ، كما قدّم الرحمن وهو أبلغ شيء في تقديم ضمير المعبود على ذكر العابد من مراعاة التعظيم وإحسان الترتيب.
وإنما كان (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بلفظ الخطاب ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في أول السورة بالغيبة ؛ لأنّك تحمد نظيرك ولا تعبده ، فاستعمل لفظ الحمد لتوسطه مع الغيبة ، والعبادة ـ التي هي العز الأقصى ـ جرت بالخطاب تقربا منه تعالى بالانتهاء إلى محدودة منها ، وعلى هذا جاء آخر السورة (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(١) بإسناد النعمة إليه لفظا ، وصرف لفظ الغضب إلى المغضوب عليهم تحسّنا وتلطّفا.
وإنّما سئلت الهداية ـ وهي حاصلة ـ للتثبيت عليها في المستقبل للعمر.
وقيل : إنّه سؤال الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة ، فكأنّه استنجاز لما وعدنا في قوله : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ)(٢) ، أي : سبل دار السّلام.
وقيل : إنّه لمّا كانت بإزاء كلّ دلالة شبهة حسن من المهتدي سؤال الهداية التي تزاح بها عن القلب الشبهات.
__________________
(١) سورة الفاتحة : آية ٧.
(٢) سورة المائدة : آية ١٦.