حكمة بالغة ، وأسبابا منتظمة ، نظمها العليم الحكيم. فكان حظ المنافق من ذلك الصيب سحابه ورعوده وبروقه فقط. لم يعلم ما وراءه ، فاستوحش بما أنس به المؤمنون ، وارتاب مما اطمأن به العالمون ، وشك فيما تيقنه المبصرون العارفون. فبصره في المثل الناري كبصر الخفاش في نحر الظهيرة ، وسمعه في المثل المائي كسمع من يموت من صوت الرعد. وقد ذكر عن بعض الحيوانات أنها تموت من سماع الرعد. فإذا صادف هذه العقول والأسماع والأبصار شبهات شيطانية ، وخيالات فاسدة ، وظنون كاذبة ، جالت فيها وصالت ، وقامت بها وقعدت ، واتسع فيها مجالها ، وكثر قيلها وقالها. فملأت الأسماع من هذيانها ، والأرض من دواوينها ، وما أكثر المستجيبين لهؤلاء والقابلين منهم ، والقائمين بدعوتهم ، والمحامين عن حوزتهم ، والمقاتلين تحت ألويتهم ، والمكثّرين لسوادهم. ولعموم البلية بهم وضرر القلوب بكلامهم ـ هتك الله أستارهم في كتابه غاية الهتك ، وكشف أستارهم غاية الكشف ، وبين علاماتهم وأعمالهم وأقوالهم ، ولم يزل عزوجل يقول : ومنهم ، ومنهم ، ومنهم (١). حتى انكشف أمرهم وبانت حقائقهم ، وظهرت أسرارهم.
قول الله تعالى ذكره :
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥))
فتأمل جلالة المبشّر ومنزلته وصدقه ، وعظمته وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة ، وقد بشرك به ، وضمنه لك ، وجعله أسهل شيء عليك وأيسره ، وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات ، وما فيها
__________________
(١) أنظر سورة التوبة.