وعلى هذا فالعداوة المذكورة للمخاطبين بالإهباط ، وهما آدم وإبليس ، فالأمر ظاهر.
وأما الأول ـ وهو رجوعه إلى آدم وزوجه ـ فتكون الآية قد اشتملت على أمرين :
أحدهما : أمره تعالى لآدم وزوجه بالهبوط.
والثاني : إخباره بالعداوة بين آدم وزوجه ، وبين إبليس. ولهذا أتى بضمير الجمع في الثاني ، دون الأول. ولا بد أن يكون إبليس داخلا في حكم هذه العداوة قطعا. كما قال تعالى : ٢٠ : ١١٧ (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) وقال لذريته : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ، فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).
وتأمل كيف اتفقت المواضع التي فيها ذكر العداوة على ضمير الجمع ، دون التثنية.
وأما الإهباط : فتارة يذكر بلفظ الجمع ، وتارة بلفظ التثنية. وتارة بلفظ الإفراد ، كقوله في سورة الأعراف : (قالَ اهْبِطُوا) وكذلك في سورة ص ، وهذا لإبليس وحده. وحيث ورد بصيغة الجمع ، فهو لآدم وزوجه وإبليس ، إذ مدار القصة عليهم. وحيث ورد بلفظ التثنية ، فإما أن يكون لآدم وزوجه إذ هما اللذان باشرا الأكل من الشجرة وأقدما على المعصية. وإما أن يكون لآدم وإبليس ، إذ هما أبوا الثقلين ، وأصلا الذرية. فذكر حالهما ومآل أمرهما ، ليكون عظة وعبرة لأولادهما. وقد حكيت القولين في ذلك.
والذي يوضح أن الضمير في قوله : (اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) لآدم وإبليس : أن الله سبحانه لما ذكر المعصية أفرد بها آدم ، دون زوجه. فقال : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ ، فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى. قالَ : اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) وهذا يدل على أن المخاطب بالإهباط هو آدم وإبليس الذي زين له المعصية. ودخلت الزوجة تبعا. فإن المقصود إخبار الله تعالى الثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم المعصية ومخالفة الأمر ، فذكر أبويهما