قتلوا به كل من وجدوه من عشيرة القاتل وحيّه وقبيلته. وكان في ذلك من الفساد والهلاك ما يعم ضرره ، وتشتد مؤنته ، فشرع الله تعالى القصاص ، وأن لا يقتل بالمقتول غير قاتله. ففي ذلك حياة عشيرته وحيّه وأقاربه. ولم تكن الحياة في القصاص من حيث إنه قتل ، بل من حيث كونه قصاصا ، يؤخذ القاتل وحده بالمقتول لا غيره ، فتضمن القصاص الحياة في الوجهين.
وتأمل ما تحت هذه الألفاظ الشريفة من الجلالة والإيجاز ، والبلاغة الفصاحة ، والمعنى العظيم.
فصدر الآية بقوله : «ولكم» المؤذن بأن منفعة القصاص مختصة بكم ، عائدة إليكم ، فشرعه إنما كان رحمة بكم وإحسانا إليكم ، فمنفعته ومصلحته لكم ، إلا لمن لا يبلغ العباد ضره ونفعه.
ثم عقبه بقوله «في القصاص» إيذانا بأن الحية الحاصلة إنما هي في العدل ، وهو أن يفعل به كما فعل بالمقتول.
و «القصاص» في اللغة : المماثلة ، وحقيقته راجعة إلى الإتباع ، ومنه قوله تعالى : ٢٨ : ١١ (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) أي اتبعي أثره. ومنه قوله : ١٨ : ٦٤ (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) أي يقصان الأثر ويتبعانه.
ومنه : قص الحديث واقتصاصه ، لأنه يتبع بعضه بعضا في الذكر ، فسمى جزاء الجاني قصاصا. لأنه يتبع أثره ، فيفعل به كما فعل ، وهذا أحد ما يستدل به على أن يفعل بالجاني كما فعل ، فيقتل بمثل ما قتل به ، لتحقيق معنى القصاص.
قول الله تعالى ذكره :
(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ (١٨٧))
روى شعبة عن الحكم عن مجاهد قال : هو الولد. وقاله الحكم ، وعكرمة ، والحسن البصري ، والسدي ، والضحاك.