الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)
فوصفهم بست صفات :
إحداها : الفقر.
الثانية : حبسهم أنفسهم في سبيله تعالى وجهاد أعدائه ، ونصر دينه ، وأصل الحصر : المنع ، فمنعوا أنفسهم من تصرفها في أشغال الدنيا ، وقصروها على بذلها لله وفي سبيله.
الثالثة : عجزهم عن الأسفار للتكسب ، والضرب في الأرض : هو السفر. قال تعالى : ٧٣ : ٢٠ (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) وقال تعالى : ٤ : ١٠١ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ).
الرابعة : شدة تعففهم. وهو حسن صبرهم ، وإظهارهم الغنى. يحسبهم الجاهل أغنياء من تعففهم ، وعدم تعرضهم وكتمانهم حاجتهم.
الخامسة : أنهم يعرفون بسيماهم. وهي العلامة الدالة على حالتهم التي وصفهم الله بها. وهذا لا ينافي حسبان الجاهل أنهم أغنياء ، لأن الجاهل له ظاهر الأمر ، والعارف : هو المتوسم المتفرس الذي يعرف الناس بسيماهم. فالمتوسمون خواص المؤمنين ، كما قال تعالى ١٥ : ٧٥ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).
السادسة : تركهم مسألة الناس ، فلا يسألونهم إلحافا والإلحاف : هو الإلحاح والنفي متسلط عليهما معا ، أي لا يسألون ولا يلحفون. فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف. وهذا كقوله* على لا حب لا يهتدي لمناره* أي ليس فيه منار فيهتدي به. وفيه كالتنبيه على أن المذموم من السؤال : هو سؤال الإلحاف. فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم.