وفصل الخطاب : أن الحشر هو الضم والجمع ، ويراد به تارة : الحشر إلى موقف القيامة. كقول النبي صلىاللهعليهوسلم «انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا» وكقوله تعالى : ٨١ : ٥ (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) وكقوله تعالى : ١٨ : ٤٢ (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) ويراد به الضم والجمع إلى دار المستقر. فحشر المتقين : جمعهم وضمهم إلى الجنة. وحشر الكافرين : جمعهم وضمهم إلى النار ، قال تعالى : ١٩ : ٨٥ (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) وقال تعالى : ٣٧ : ٢٢ ، ٢٣ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) فهذا الحشر هو بعد حشرهم إلى الموقف ، وهو حشرهم وضمهم إلى النار. لأنه قد أخبر عنهم أنهم قالوا : ٣٧ : ٢١ (يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ. هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ثم قال تعالى : ٣٧ : ٢٢ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) وهذا الحشر الثاني.
وعلى هذا فهم ما بين الحشر الأول من القبور إلى الموقف ، والحشر الثاني من الموقف إلى النار ، فعند الحشر الأول : يسمعون ويبصرون ، ويجادلون ، ويتكلمون وعند الحشر الثاني : يحشرون على وجوههم عميا وبكما وصما. فلكل موقف حال يليق به ، ويقتضيه عدل الرب تعالى ، وحكمته. فالقرآن يصدق بعضه بعضا ٤ : ٨٢ (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).