وكلاهما مضاد للهدى ودين الحق ، ولهذا مثل حال الفريق الثاني في تلاطم أمواج الشكوك والشبهات والعلوم الفاسدة في قلوبهم : بتلاطم أمواج البحر فيه ، وأنها أمواج متراكمة ، من فوقها سحاب مظلم ، وهكذا أمواج الشكوك والشبهات في قلوبهم المظلمة التي قد تراكمت عليها سحب الغي والهوى والباطل.
فليتدبر اللبيب أحوال الفريقين وليطابق بينهما وبين المثلين : يعرف عظمة القرآن وجلالته ، وأنه تنزيل من حكيم حميد.
وأخبر سبحانه ، أن الموجب لذلك : أنه لم يجعل لهم نورا ، بل تركهم على الظلمة التي خلقوا فيها ، فلم يخرجهم منها إلى النور ، فإنه سبحانه ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.
وفي المسند من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله خلق خلقه في ظلمة ، وألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول : جف القلم على علم الله».
فالله سبحانه خلق الخلق في ظلمة ، فمن أراد هدايته جعل له نورا وجوديا يحيي به قلبه وروحه ، كما يحيي بدنه بالروح التي ينفخها فيه.
فهما حياتان : حياة البدن بالروح ، وحياة الروح والقلب بالنور ، ولهذا سمى سبحانه الوحي روحا ، لتوقف الحياة الحقيقية عليه ، كما قال تعالى : ١٦ : ٢ (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وقال ٤٠ : ١٥ (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وقال تعالى : ٤٢ : ٥٢ (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا).
فجعل وحيه روحا ونورا ، فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ، ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات وما له من نور.