قلت : لعله كذلك فيه وفي كل ما جرت العادة به في الودائع التي يمكن دعوى بناء العقد على ذلك ، وعلى فهمها من الإطلاق ، والأمر سهل.
إنما الكلام في الضرورة التي ذكرها المصنف قال في المسالك : « لو حصل ضرورة الإيداع بأن خاف عليها من سرق أو حرق أو نهب أو أراد سفرا وتعذر ردها إلى المالك أو وكيله ، دفعها إلى الحاكم ، ولا يسمى ذلك إيداعا ، فان تعذر أودعها العدل ، وهذا هو الخارج بالقيد ، فلا يجوز إيداعها للضرورة ابتداء ، بل على الوجه الذي فصلناه ، وسيأتي في كلامه التنبيه عليه » إلى غير ذلك من كلامهم الظاهر في جعل الضرورة عنوانا لجواز الإيداع لكن ليس في شيء من النصوص ذلك كي يرجع في مصداقها إلى العرف ، وأن السفر للدنيا أو للآخرة أو للنزاهة ونحوها منها أولا.
ثم إنه مع تعذر الحاكم ينبغي الرجوع الى عدول المؤمنين القائمين مقامه في الحسب ليكون علم الرد للمالك لا إيداعا للضرورة كما سمعته من المسالك ، واحتمال إرادته ذلك من إيداع العدل يدفعه قوله : إن هذا هو الخارج بالقيد إلى آخره ، على أنه مع تسليمه قد يناقش بعدم كونه إبداعا عرفا أيضا مع فرض عدم إذن المالك له ، ورخصة الشارع له فيه لا تصيره وديعة عرفا ، ودعوى حصول الإذن من المالك له في هذا الحال واضحة المنع ، فليس حينئذ إلا القول بأنه مخاطب بحفظها من جهتين ، إحداهما من حيث كونه وديعة ، والأخرى من حيث أنها مال محترم ، فمع فرض الضرورة يتعين عليه ملاحظة الجهة الثانية ، فيودعها لذلك ، وليس هذا وديعة اصطلاحا ، إذ هي استنابة من المالك في الحفظ ، وإنما هو وضع منه لحفظها ، في يد غيره لأن له ولاية عليها بالنسبة إلى حفظها وإن لم يكن له ولاية على مالكها.
فاستثناء الضرورة حينئذ من عدم جواز الإيداع بهذا المعنى ، لا أن المراد جواز الإيداع من حيث كونه وديعة ، لكن حال الضرورة على معنى صيرورة الإيداع حالها من أفراد الحفظ الذي قد استفيد الإذن فيها من عقد الوديعة ، فتأمل جيدا فإنه يترتب على ذلك ثمرات.