وثانياً ـ انَّ اشتراط أَنْ يكون الموجب للانحلال الحكمي معاصراً زماناً مع العلم الإجمالي لو سلمناه كبروياً ـ وتحقيقه موكول إلى محله ـ لا يمكن تطبيقه في المقام وتوضيح ذلك :
انَّ ملاك هذا التفصيل سواءً كان عبارة عن انَّ العلم الإجمالي حدوثاً بعد أَنْ أوجب تساقط الأصول في الأطراف لا يمكن التمسك بدليل الأصل في بعضها لأنَّ الأصل بعد موته لا يعود حياً لبرهان يأتي في محله. ـ وهذا هو المناسب مع مباني الاقتضاء في تنجيز العلم الإجمالي ـ أو كان عبارة عن انَّ العلم الإجمالي انما يكون علّة للتنجيز فيهما إذا أمكن أَنْ يكون طريقاً إلى الواقع المعلوم بالإجمال بحيث ينجزه في أيٍّ كان وهذا فرع أَنْ يكون تمام أطرافه قابلاً للتنجيز به فإذا كان منذ البداية في بعض الأطراف ما يمنع عن التنجيز ولو لوجود منجز تفصيلي آخر فلا يعود العلم الإجمالي صالحاً لتنجيز الطرف الاخر وهذا انما يكون في حال معاصرة الموجب للانحلال الحكمي مع العلم الإجمالي وامّا إذا كان متأخراً زماناً فالعلم الإجمالي صالح لتنجيز الطرفين غاية الأمر ينجز أحدهما لفترة قصيرة مثلاً وهي فترة عدم وجود المنجز التفصيليّ.
أقول : كلا هذين البيانين لو تم فهو مخصوص بغير المقام أعني بموارد الأصول العملية دون اللفظية ، إذ الأصول اللفظية يمكننا أَنْ ندعي فيها انَّ مقتضي الحجية فيها من أول الأمر مشروط بعدم العلم بالمخصص لها تفصيلاً أو إجمالاً فالعام الّذي يكون مخصصه واصلاً واقعاً ولو بعلم إجمالي ليس موضوعاً للحجية أساساً ، وهذا يعني انَّه بحصول العلم الإجمالي بالمخصص يكون حال المعمومات من باب اشتباه الحجة باللاحجة لا من باب التنافي في الحجيات بعد ثبوت مقتضياتها في كلّ طرف في نفسه ـ كما في الأصول العلمية حيث انَّ أدلتها مطلقة تشمل أطراف العلم الإجمالي في نفسها فليس هناك سقوط عن الحجية لكي يقال بعدم الرجوع إلى الحياة بعد ذلك أو غير ذلك من التقريبات بل اشتباه بين ما هو حجة وما ليس بحجة فإذا علم تفصيلاً بالمخصصات بمقدار المعلوم بالإجمال فسوف يعلم بعدم حجية هذه العمومات المخصصة بها تفصيلاً من أول الأمر وحجية غيرها فلا مانع عقلائياً من الرجوع إلى أصالة العموم في العمومات الباقية وإِنْ كان العلم الإجمالي غير منحل حقيقة ، فانَّ هذا نظير الرجوع إليها فيما إذا كان العلم الإجمالي مقارناً زماناً مع