وهكذا يتضح عدم صحة هذا التقريب كسابقه فلا وجه كلي لتقديم دليل النهي على دليل الأمر بناء على الامتناع.
التنبيه الثامن ـ في كيفية تخريج العبادات المكروهة ، فانه لا إشكال في ثبوت الكراهة للعبادة في بعض الموارد كالصلاة في الحمام أو في مواضع التهمة أو صوم يوم عاشوراء ، كما لا إشكال في صحة العبادة في هذه الموارد ، ومن هنا يقع الإشكال في كيفية اجتماع الأمر مع النهي فيها وربَّما نعتبر ذلك دليلا على جواز الاجتماع لأنَّ الأحكام التكليفية الخمسة كلها متضادة فيما بينها وليس التضاد مخصوصاً بالوجوب والحرمة فقط ، فكيف يمكن أَنْ تكون عبادة مأموراً بها وصحيحة ومع ذلك تتصف بالكراهة؟
وهذا الكلام أورد عليه في الكفاية : بأنه لا يكون إشكالاً على القول بالامتناع بل لا بدَّ للقائل بالجواز أيضاً من الدفاع في المقام ، لأن القائل بالجواز انما يقول بالجواز مع تعدد العنوان لا وحدته وفي العبادات المكروهة قد تعلق النهي بنفس عنوان العبادة كالصلاة في الحمام (١).
وهذا الّذي أفاده صحيح ، بل حتى لو قلنا بالملاك الأول للجواز أيضا يرد الإشكال في العبادات المكروهة ، لأنها ليست مخصوصة بما إذا كان الأمر بصرف الوجود بل يشمل موارد الأمر بنحو مطلق الوجود ، من قبيل كراهة صوم يوم عاشوراء ، فانه مستحب لأنَّ الصوم في كل يوم مستحب مع انه مكروه في يوم عاشوراء ، فالإشكال ليس مختصاً بالقائلين بالامتناع كما انَّ ثبوت العبادات المكروهة لا يمكن أَنْ يكون دليلا على الجواز.
وأيّا ما كان ، فالبحث تارة : فيما إذا ثبتت الكراهة في عبادة لها بدل كالصلاة في الحمام ، وأخرى : فيما إذا ثبتت فيما ليس له بدل كالصوم في يوم عاشوراء.
امّا القسم الأول ـ فالقائلون بجواز الاجتماع بالملاك الأول يمكنهم التخلص عن الإشكال طبقاً لمبناهم فهم في فسحة من الإشكال ، وكذلك من يقول بالامتناع على
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥