وأمَّا المقام الثاني ـ فلا إشكال في انَّ تعيين الأوضاع اللغوية يمكن أَنْ يكون بطريق حسّي كما إذا سمع شهادة من العرب الأوائل على المعنى الموضوع له الحقيقي إِلاّ انَّ مثل هذا ممّا لا يشهد به اللغوي عن حسّ بل هو امَّا أَنْ يشهد بموارد الاستعمال الأعم من الحقيقة أو يجتهد في استخراج المعنى الحقيقي ويعتمد على أنظار وآراء الأمر الّذي نسبته إليه وإلى المجتهد على حد واحد فلا موجب لحجية قوله عليه ، نظير أَنْ يلحظ تاريخ استعمال كلمة الأسد في الحيوان المفترس والرّجل الشجاع ويرى تقدّم الأول على الثاني ويرى انَّ موارد الاستعمال في الثاني محفوظ بالقرينة دائماً بخلاف الأول ، ويرى انَّ في موارد الاستعمال في الثاني يراد المبالغة في الشجاعة دون الأول إلى غير ذلك من القرائن التي بتجميعها ربما يحصل على أساسها الجزم بالمعنى الموضوع له اللفظ.
وامَّا الاستدلال على حجية قول اللغوي تارة بالإجماع وأُخرى بدليل الانسداد فغير تام.
امَّا الإجماع ، فإنْ أُريد به الإجماع العملي من قبل العلماء على مراجعة أقوالهم فهذا وإِنْ سلمت صغراه إِلاّ انَّه لم يعلم انَّ ذلك من باب الرجوع إلى الحجة التعبدية بل المظنون انه لحصول الاطمئنان والاطلاع المباشر على الوضع ، وإِنْ أُريد الإجماع القولي فهو غير موجود لأنَّ المسألة لم يتعرض لها إِلاّ عند المتأخرين والنقل المنسوب إلى المرتضى ( قده ) يكون كسائر إخباراته التساهليّة عن الإجماع على تقدير صحّة النسبة.
مضافاً إلى انَّ الإجماع لو تمّ فلا يجزم بكونه تعبديّاً إِنْ لم يجزم بعدم كونه كذلك وانَّه تطبيق لإحدى الكبريات لا انَّه متلقى بعنوانه عن الأئمة عليهمالسلام فانَّه بعيد غايته.
وامَّا الانسداد وإجرائه في دائرة الألفاظ المشكوكة التي لا طريق إلى تحصيل العلم بها فيؤخذ بقول اللغويين لكونه يُفيد الظنّ بالظهور فغير تام لوجوه :
ومنها : ان تتميم دليل الانسداد بحاجة إلى تشكيل علم إجمالي منجز أي علم بالتكليف لكي تتم مقدماته وهنا لا علم إجمالي بالتكليف المنجز في دائرة أقوال اللغويين بل غايته العلم بالتكليف الأعم من الإلزاميّ والترخيصي.
ومنها : لو سلّم وجود علم إجمالي بتكليف منجز فيتعيّن الاحتياط في تمام الأطراف إذ لا يلزم منه عسر وحرج لعدم كثرة أطرافه.