الاول : إِلجاء الاجتماع على طاعة القوانين الموضوعة لتشريك الناس في حق الحياة وتسويتهم في الحقوق ، بمعنى ان ينال كل من الافراد ما يليق به من كمال الحياة ، مع الغاء المعارف الدينية : من التوحيد والاخلاق الفاضلة ، وذلك بجعل التوحيد ملغى غير منظور اليه ولا مرعي ، وجعل الاخلاق تابعة للاجتماع وتحوله ، فما وافق حال الاجتماع من الاخلاق فهو الخلق الفاضل ، فيوماً العفة ، ويوماً الخلاعة ، ويوماً الصدق ، ويوماً الكذب ، ويوماً الامانة ، ويوماً الخيانة ، وهكذا .
والثاني : إِلجاء الاجتماع على طاعة القوانين بتربية ما يناسبها من الاخلاق واحترامها مع الغاء المعارف الدينية في التربية الاجتماعية .
وهذان طريقان مسلوكان في رفع الاختلافات الاجتماعية وتوحيد الامة المجتمعة من الانسان : أحدهما بالقوة المجبرة والقدرة المتسلطة من الانسان فقط ، وثانيهما بالقوة والتربية الخلقية ، لكنهما على ما يتلوهما من المفاسد مبنيان على أساس الجهل ، فيه بوار هذا النوع ، وهلاك الحقيقة الانسانية ، فإن هذا الانسان موجود مخلوق لله متعلق الوجود بصانعه ، بدء من عنده وسيعود اليه ، فله حياة باقية بعد الارتحال من هذه النشأة الدنيوية ، حياة طويلة الذيل ، غير منقطع الامد ، وهي مرتبة على هذه الحياة الدنيوية ، وكيفية سلوك الانسان فيها ، واكتسابه الاحوال والملكات المناسبة للتوحيد الذي هو كونه عبداً لله سبحانه ، بادئاً منه عائداً اليه ، وإِذا بنى الانسان حياته في هذه الدنيا على نسيان توحيده ، وستر حقيقة الامر فقد أهلك نفسه ، واباد حقيقته .
فمثل الناس في سلوك هذين الطريقين كمثل قافلة أخذت في سلوك الطريق إِلى بلد ناء معها ما يكفيها من الزاد ولوازم السير ، ثم نزلت في أحد المنازل في أثناء الطريق فلم يلبث هنيئة حتى أخذت في الاختلاف : من قتل ، وضرب ، وهتك عرض ، وأخذ مال وغصب مكان وغير ذلك ، ثم اجتمعوا يتشاورون بينهم على اتخاذ طريقة يحفظونها لصون أنفسهم وأموالهم .
فقال قائل منهم : عليكم بالاشتراك في الانتفاع من هذه الاعراض والامتعة ، والتمتع على حسب ما لكل من الوزن الاجتماعي ، فليس إِلا هذا المنزل والمتخلف عن ذلك يؤخذ بالقوة والسياسة .