والتشارك والتناصر ، بل السلطنة هناك في جميع احكام الحياة لوجود نفسه لا يؤثر فيه وجود غيره بالتعاون والتناصر اصلاً ، ولو كان هناك هذا النظام الطبيعي المشهود في المادة لم يكن بدٌ عن حكومة التعاون والتشارك ، لكن الانسان خلفه وراء ظهره ، وأقبل إِلى ربه ، وبطل عنه جميع علومه العملية ، فلا يرى لزوم الاستخدام والتصرف والمدنية والاجتماع التعاوني ولا سائر أحكامه التي يحكم بها في الدنيا ، وليس له إِلا صحابة عمله ، ونتيجة حسناته وسيآته ، ولا يظهر له إِلا حقيقة الامر ويبدو له النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ، قال تعالى : « وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا » مريم ـ ٨٠ ، وقال تعالى : « وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ » الانعام ـ ٩٤ ، وقال تعالى : « هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ » يونس ـ ٣٠ ، وقال تعالى : « مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ » الصافات ـ ٢٦ ، وقال تعالى : « يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ » إِبراهيم ـ ٤٨ ، وقال تعالى : « وأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وأنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ » النجم ـ ٤١ ، إِلى غير ذلك من الآيات ، فهذه الآيات كما ترى تدل على ان الانسان يبدل بعد الموت نحو حياته فلا يحيى حياة اجتماعية مبنية على التعاون والتناصر ، ولا يستعمل ما أبدعه في هذه الحياة من العلوم العملية ، ولا يجنى إِلا ثمرة عمله ونتيجة سعيه ، ظهر له ظهوراً فيجزى به جزاء .
قوله
تعالى : كان الناس أُمة واحدة ، الناس معروف
وهو الافراد المجتمعون من الانسان ، والامة هي الجماعة من الناس ، وربما يطلق على الواحد كما في قوله
تعالى : « إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ
» النحل ـ ١٢٠ ، وربما يطلق على زمان معتد به كقوله تعالى : « وَادَّكَرَ
بَعْدَ أُمَّةٍ » يوسف ـ ٤٥ ، أي
بعد سنين وقوله تعالى : « وَلَئِنْ
أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ
» هود ـ ٨ ، وربما يطلق على الملة والدين كما قال بعضهم في قوله تعالى : « وإِنَّ
هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
» المؤمنون ـ ٥٢ ، وفي قوله تعالى : « إِنَّ
هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
» الانبياء ـ ٩٢ ، وأصل الكلمة من أم يأم إِذا قصد فأطلق لذلك على الجماعة لكن لا على كل جماعة ، بل على