وهذا النبوغ يدعو الى الفكر في حال الاجتماع ، وما يصلح به هذا الاجتماع المختل ، وما يسعد به الانسان الاجتماعي .
فهذا النابغة الاجتماعي هو النبي ، والفكر الصالح المترشح من قواه الفكرية هو الوحي ، والقوانين التي يجعلها لصلاح الاجتماع هو الدين ، وروحه الطاهر الذي يفيض هذه الافكار الى قواه الفكرية ولا يخون العالم الانساني باتباع الهوى هو الروح الامين وهو جبرائيل ، والموحي الحقيقي هو الله سبحانه ، والكتاب الذي يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو الكتاب السماوي ، والملائكة هي القوى الطبيعية أو الجهات الداعية إِلى الخير ، والشيطان هي النفس الامارة بالسوء أو القوى أو الجهات الداعية إِلى الشر والفساد ، وعلى هذا القياس .
وهذا فرض فاسد ، وقد مر في البحث عن الإعجاز ، أن النبوة بهذا المعنى لان تسمى لعبة سياسية أولى بها من ان تسمى نبوة إِلهية .
وقد تقدم أن هذا الفكر الذي يسمي هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة من خواص العقل العملي ، الذي يميز بين خير الافعال وشرها بالمصلحة والمفسدة وهو أمر مشترك بين العقلاء من أفراد الانسان ومن هدايا الفطرة المشتركة ، وتقدم أيضاً أن هذا العقل بعينه هو الداعي الى الاختلاف ، وإِذا كان هذا شأنه لم يقدر من حيث هو كذلك على رفع الاختلاف ، واحتاج فيه إِلى متمم يتمم أمره ، وقد عرفت أنه يجب أن يكون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور يختص به بحسب الفعلية بعض الآحاد من الانسان وتهتدي به الفطرة الى سعادة الانسان الحقيقية في معاشه ومعاده .
ومن هنا يظهر ان هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري ، بمعنى أن ما يجده الانسان من النتائج الفكرية من طريق مقدماتها العقلية غير ما يجده من طريق الشعور النبوي ، والطريق غير الطريق .
ولا يشك الباحثون في خواص النفس في أن في الانسان شعوراً نفسياً باطنياً ، ربما يظهر في بعض الآحاد من أفراده ، يفتح له باباً الى عالم وراء هذا العالم ، ويعطيه عجائب من المعارف والمعلومات ، وراء ما يناله العقل والفكر ، صرح به جميع علماء النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من اوروبا مثل جمز الانجليزي وغيره .