يأتي به النبي على سعادة الإنسان في دنياه وآخرته ، وتارة من جهة اللوازم وهو ان النبوة لما كانت أمراً خارقاً للعادة فدعواها ممن يدعيها هي دعوى ان الذي وراء الطبيعة وهوالهها الذي يهديها الى سعادتها ويهدي النوع الانساني منها الى كماله وسعادته يتصرف في بعض أفراد النوع تصرفاً خارقاً للعادة وهو التصرف بالوحي ، ولو كان هذا التصرف الخارق للعادة جائزاً جاز غيره من خوارق العادة ، لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، فلو كانت دعوى النبوة من النبي حقاً وكان النبي واجداً لها لكان من الجائز ان يأتي بأمر آخر خارق للعادة مرتبطة بنبوته نحو ارتباط يوجب تصديق العقل الشاك في نبوة هذا المدعى للنبوة ، وهذا الأمر الخارق للعادة هي الآية المعجزة وقد تكلمنا في الإعجاز في تفسير قوله تعالى : « وإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ » البقرة ـ ٢٣ .
فان قلت : هب ان هذا الاختلاف ارتفع بهذا الشعور الباطني المسمى بوحي النبوة وأثبتها النبي بالإعجاز ، وكان على الناس ان يأخذوا بآثاره وهو الدين المشرع الذي جاء به النبي ، لكن ما المؤمن عن الغلط ؟ وما الذي يصون النبي عن الوقوع في الخطأ في تشريعه وهو إِنسان طبعه طبع سائر الافراد في جواز الوقوع في الخطأ . ومن المعلوم ان وقوع الخطأ في هذه المرحلة أعني مرحلة الدين ورفع الاختلاف عن الاجتماع يعادل نفس الاختلاف الاجتماعي في سد طريق استكمال النوع الانساني ، وإِضلاله هذا النوع في سيره إِلى سعادته ، فيعود المحذور من رأس . !
قلت
: الابحاث السابقة تكفي مؤنة حل هذه
العقدة ، فإِن الذي ساق هذا النوع نحو هذه الفعلية أعني الامر الروحي الذي يرفع الاختلاف إِنما هو الناموس التكويني الذي هو الايصال التكويني لكل نوع من الانواع الوجودية إِلى كماله
الوجودي وسعادته الحقيقية ، فإِن السبب الذي أوجب وجود الانسان في الخارج وجوداً حقيقياً كسائر الانواع الخارجية هو الذي يهديه هداية تكوينية خارجية إِلى سعادته ، ومن المعلوم ان الامور الخارجية من حيث انها خارجية لا تعرضها الخطاء والغلط ، أعني ان الوجود الخارجي لا يوجد فيه الخطاء والغلط لوضوح ان ما في الخارج هو ما في الخارج ! وإِنما يعرض الخطاء والغلط في العلوم التصديقية والامور الفكرية من جهة تطبيقها على الخارج فإِن الصدق والكذب من خواص القضايا ، تعرضها من حيث