ومنسوخاً ، ولا معنى لاجتماعهما في زمان بحسب النزول .
وربما أُجيب عن الإشكال : أن المراد من نزول القرآن في شهر رمضان انّ أول ما نزل منه نزل فيه ، ويرد عليه : أن المشهور عندهم أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما بعث بالقرآن ، وقد بعث اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وبينه وبين رمضان أكثر من ثلثين يوماً وكيف يخلو البعثة في هذه المدة من نزول القرآن ، على أن أول سورة اقرأ باسم ربك ، يشهد على أنها أول سورة نزلت وأنها نزلت بمصاحبة البعثة ، وكذا سورة المدّثّر تشهد أنها نزلت في أول الدعوة وكيف كان فمن المستبعد جداً أن تكون أول آية نزلت في شهر رمضان ، على أن قوله تعالى : أُنزل فيه القرآن ، غير صريح الدلالة على أن المراد بالقرآن أول نازل منه ولا قرينة تدل عليه في الكلام فحمله عليه تفسير من غير دليل ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : « وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ » الدخان ـ ٣ ، وقوله : « إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » : القدر ـ ١ ، فإِن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إِنزال القرآن أول إِنزاله أو إِنزال أول بعض من أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك .
والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر
آخر فإِن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إِنما عبّرت عن ذلك بلفظ الإِنزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ » : البقرة ـ ١٨٥ وقوله تعالى : « حم
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ
» : الدخان ـ ٣ ، وقوله تعالى : « إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
» القدر ـ ١ ، واعتبار الدفعة إِما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى : « كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ
» يونس ـ ٢٤ . فإِن المطر إِنما ينزل تدريجاً لكنّ النظر هىٰهنا معطوف إِلى أخذه مجموعاً
واحداً ، ولذلك عبّر عنه بالإِنزال دون التنزيل ، وكقوله تعالى : « كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
» ص ـ ٢٩ ، وإِما لكون الكتاب ذا حقيقة أُخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحّح لكونه واحداً غير تدريجي ونازلاً بالإِنزال دون التنزيل . . وهذا الاحتمال الثاني هو اللّائح
من الآيات الكريمة كقوله تعالى : « كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ
فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
»