وقوله تعالى : ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط اعمالهم ، يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم ) محمد ـ ٣٣ ، وذيل الآية يدل بالمقابلة على ان الحبط بمعنى بطلان العمل كما هو ظاهر قوله تعالى : ( وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) هود ـ ١٦ ، ويقرب منه قوله تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هبائا منثورا ) الفرقان ـ ٢٣.
وبالجملة الحبط هو بطلان العمل وسقوطه عن التأثير ، وقد قيل : إن اصله من الحبط بالتحريك وهو ان يكثر الحيوان من الاكل فينتفخ بطنه وربما ادى إلى هلاكه.
والذي ذكره تعالى من اثر الحبط بطلان الاعمال في الدنيا والآخرة معا ، فللحبط تعلق بالاعمال من حيث اثرها في الحياة الآخرة ، فإن الايمان يطيب الحياة الدنيا كما يطيب الحياة الآخرة ، قال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل ـ ٩٧ ، وخسران سعى الكافر ، وخاصة من ارتد إلى الكفر بعد الايمان ، وحبط عمله في الدنيا ظاهر لا غبار عليه ، فإن قلبه غير متعلق بأمر ثابت ، وهو الله سبحانه ، يبتهج به عند النعمة ، ويتسلى به عند المصيبة ، ويرجع إليه عند الحاجة ، قال تعالى : ( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) الانعام ـ ١٢٢ ، تبين الآية ان للمؤمن في الدنيا حياة ونورا في افعاله ، وليس للكافر ، ومثله قوله تعالى ، ( فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ) طه ـ ١٢٤ ، حيث يبين ان معيشة الكافر وحياته في الدنيا ضنك ضيقة متعبة ، وبالمقابلة معيشة المؤمن وحياته سعيده رحبة وسيعة.
وقد جمع الجميع ودل على سبب هذه السعادة والشقاوة قوله تعالى : ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لامولى لهم ) محمد ـ ١١.
فظهر مما قربناه ان المراد بالاعمال مطلق الافعال التي يريد الانسان بها سعادة الحيوة ، لا خصوص الاعمال العبادية ، والافعال القربية التي كان المرتد عملها واتى بها حال الايمان ، مضافا إلى ان الحبط وارد في مورد الذين لا عمل عبادي ، ولا فعل قربي