وسيجيء بيانه ـ قوله تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » الحجر ـ ٨٧ . والمراد بالسبْع المثاني سورة الحمد وقد قوبل بها القرآن العظيم وفيه تمام التجليل لشأنها والتعظيم لخطرها لكنها لم تعد قرآناً بل سبعاً من آيات القرآن وجزئاً منه بدليل قوله تعالى : « كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ الآية » الزمر ـ ٢٣ .
ومع ذلك فاشتمال السورة على ذكر سورة الحمد يدلّ على سبق نزولها نزول سورة الحجر ، والسورة مشتملة أيضاً على قوله تعالى : « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الآيات » الحجر ـ ٩٥ ، ويدل ذلك على أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد كف عن الإِنذار مدة ثم أمر به ثانياً بقولة تعالى : فاصدع .
وأما سورة المدثر وما تشتمل عليه من قوله : قم فأنذر المدثر ـ ٢ ، فان كانت السورة نازلة بتمامها دفعة كان حال هذه الآية قم فانذر ، حال قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر الآية ، لاشتمال هذه السورة أيضاً على قوله تعالى : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا إِلى آخر الآيات » المدثر ـ ١١ ، وهي قريبة المضمون من قوله في سورة الحجر : وأعرض عن المشركين الخ ، وإن كانت السورة نازلة نجوماً فظاهر السياق أن صدرها قد نزل في بدء الرسالة .
وثالثاً : أن قوله : إن الروايات الدالة على نزول القرآن في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إِلى البيت المعمور جملة واحدة قبل البعثة ثم نزول الآيات نجوماً على رسول الله اخبار مجعولة خرافية لمخالفتها الكتاب وعدم استقامة مضمونها ، وان المراد باللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة ، وبالبيت المعمور كرة الأرض خطأ وفرية .
أما اولاً : فلأنه لا شيء من ظاهر الكتاب يخالف هذه الأخبار على ما عرفت .
واما ثانياً : فلأن الاخبار خالية عن كون النزول الجملي قبل البعثة بل الكلمة مما أضافها هو إلى مضمونها من غير تثبت .
واما
ثالثاً : فلأن قوله : إن اللوح المحفوظ هو عالم
الطبيعة تفسير شنيع ـ وإِنه اضحوكة ـ وليت شعري : ما هو الوجه المصحح ـ على قوله ـ لتسمية عالم الطبيعة في كلامه تعالى لوحاً محفوظاً ؟ أذلك لكون هذا العالم محفوظاً عن التغير والتحول ؟
فهو عالم الحركات ، سيال الذات ، متغير الصفات ! أو لكونه محفوظاً عن الفساد تكويناً أو
تشريعاً ؟ فالواقع خلافه ! أو لكونه محفوظاً عن اطلاع غير أهله عليه ؟ كما يدل