والحفظ : ضبط الصورة المعلومة بحيث لا يتطرق اليه التغيير والزوال .
والحكمة : هي الصورة العلمية من حيث إِحكامها وإِتقانها .
والخبره : هو ظهور الصورة العلمية بحيث لا يخفي على العالم ترتب أي نتيجة على مقدماتها .
والشهادة : هو نيل نفس الشيء وعينه إِما بحس ظاهر كما في المحسوسات أو باطن كما في الوجدانيات نحو العلم والارادة والحب والبغض وما يضاهي ذلك .
والألفاظ السابقة على ما عرفت من معانيها لا تخلو عن ملابسة المادة والحركة والتغير ، ولذلك لا تستعمل في مورده تعالى غير الخمسة الاخيرة منها أعني العلم والحفظ والحكمة والخبرة والشهادة ، فلا يقال فيه تعالى : انه يظن أو يحسب أو يزعم أو يفهم أو يفقه أو غير ذلك .
واما الألفاظ الخمسة الاخيرة فلعدم استلزامها للنقص والفقدان تستعمل في مورده تعالى ، قال سبحانه : « وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » النساء ـ ١٧٦ ، وقال تعالى : « وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ » سبأ ـ ٢١ ، وقال تعالى : « وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ » البقرة ـ ٢٣٤ ، وقال تعالى : « هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » يوسف ـ ٨٣ ، وقال تعالى : « أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » فصلت ـ ٥٣ .
ولنرجع إِلى ما كنا فيه فنقول : لفظ العقل على ما عرفت يطلق على الإدراك من حيث ان فيه عقد القلب بالتصديق ، على ما جبل الله سبحانه الانسان عليه من إِدراك الحق والباطل في النظريات ، والخير والشر والمنافع والمضار في العمليات حيث خلقه الله سبحانه خِلقة يدرك نفسه في اول وجوده ، ثم جهزه بحواس ظاهرة يدرك بها ظواهر الاشياء ، وباخرى باطنة يدرك معاني روحية بها ترتبط نفسه مع الاشياء الخارجة عنها كالارادة ، والحب والبغض ، والرجاء ، والخوف ، ونحو ذلك ، ثم يتصرف فيها بالترتيب والتفصيل والتخصيص والتعميم ، فيقضي فيها في النظريات والامور الخارجة عن مرحلة العمل قضاء نظرياً ، وفي العمليات والامور المربوطة بالعمل قضاء عملياً ، كل ذلك جرياً على المجرى الذي تشخصه له فطرته الاصلية ، وهذا هو العقل .