قلت : وضع القوانين المصلحة لحال البشر أمر ، وإجراء ذلك بالسيرة الصالحة والتربية الحسنة التي تنبت الانسان نباتا حسنا أمر آخر ، والذي أصيب به الاسلام في مدة سيرها الماضي هو فقد الاولياء الصالحين والقوام المجاهدين فارتدت بذلك أنفاس الاحكام ، وتوقفت التربية ثم رجعت القهقرى. ومن أوضح ما أفاده التجارب القطعي : أن مجرد النظر والاعتقاد لا يثمر أثره ما لم يثبت في النفس بالتبليغ والتربية الصالحين ، والمسلمون في غير برهة يسيرة لم يستفيدوا من الاولياء المتظاهرين بولايتهم القيمين بامورهم تربية صالحة يجتمع فيها العلم والعمل ، فهذا معاوية ، يقول على منبر العراق حين غلب على أمر الخلافة ما حاصله : إني ما كنت أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا فذلك اليكم وإنما كنت أقاتلكم لا تامر عليكم وقد فعلت ، وهذا غيره من الامويين والعباسيين فمن دونهم. ولو لا استضائة هذا الدين بنور الله الذي لا يطفأ والله متم نوره ولو كره الكافرون لقضى عليه منذ عهد قديم.
( حرية المرأة في المدنية الغربية )
لا شك ان الاسلام له التقدم الباهر في إطلاقها عن قيد الاسارة ، وإعطائها الاستقلال في الارادة والعمل ، وأن امم الغرب فيما صنعوا من أمرها إنما قلدوا الاسلام ـ وان اساؤوا التقليد والمحاذاة ـ فإن سيرة الاسلام حلقة بارزة مؤثرة أتم التأثير في سلسلة السير الاجتماعية وهي متوسطة متخللة ، ومن المحال أن يتصل ذيل السلسلة بصدرها دونها.
وبالجملة فهؤلاء بنوا على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق في هذه الازمنة بعد ان اجتهدوا في ذلك سنين مع ما في المرأة من التأخر الكمالي بالنسبة إلى الرجل كما سمعت إجماله.
والرأي العام عندهم تقريبا : أن تأخر المرأة في الكمال والفضيلة مستند إلى سوء التربية التي دامت عليها ومكثت قرونا لعلها تعادل عمر الدنيا مع تساوي طباعها طباع الرجل.
ويتوجه عليه : أن الاجتماع منذ أقدم عهود تكونه قضى على تأخرها عن الرجل