أذلاء مخزيين ما داموا على الخمود والكسل والتواني ، فلما قاموا لله وقاتلوا في سبيل الله واستظهروا بكلمة الحق وإِن كان الصادق منهم في قوله القليل منهم ، وتولى اكثرهم عند إِنجاز القتال أولا ، وبالاعتراض على طالوت ثانياً ، وبالشرب من النهر ثالثاً ، وبقولهم : لا طاقة لنا بجالوت وجنوده رابعاً ، نصرهم الله تعالى على عدوهم فهزموهم بإِذن الله وقتل داود جالوت واستقر الملك فيهم ، وعادت الحياة اليهم ، ورجع اليهم سؤددهم وقوتهم ، ولم يكن ذلك كله إِلا لكلمة أجراها الايمان والتقوى على لسانهم لما برزوا لجالوت وجنوده ، وهي قولهم : ربنا افرغ علينا صبراً وانصرنا على القوم الكافرين ، فكذلك ينبغي للمؤمنين ان يسيروا بسيرة الصالحين من الماضين ، فهم الاعلون إِن كانوا مؤمنين .
قوله تعالى : وقاتلوا في سبيل الله الآية ، فرض وإِيجاب للجهاد ، وقد قيده تعالى هىهنا وسائر المواضع من كلامه بكونه في سبيل الله لئلا يسبق إِلى الوهم ولا يستقر في الخيال ان هذه الوظيفة الدينية المهمة لإيجاد السلطة الدنيوية الجافة ، وتوسعة المملكة الصورية ، كما تخيله الباحثون اليوم في التقدم الاسلامي من الاجتماعيين وغيرهم ، بل هو التوسعة سلطة الدين التي فيها صلاح الناس في دنياهم وآخرتهم .
وفي قوله تعالى : واعلموا إِن الله سميع عليم ، تحذير للمؤمنين في سيرهم هذا السير ان لا يخالفوا بالقول إِذا أمر الله ورسوله بشيء ، ولا يضمروا نفاقاً كما كان ذلك من بني إسرائيل حيث تكلموا في امر طالوت فقالوا : أنى يكون له الملك علينا « الخ » ، وحيث قالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، وحيث فشلوا وتولوا لما كتب عليهم القتال وحيث شربوا من النهر بعد ما نهاهم طالوت عن شربه .
قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً إِلى قوله اضعافاً كثيرة ، القرض معروف وقد عد الله سبحانه ماينفقونه في سبيله قرضاً لنفسه لما مر انه للترغيب ، ولانه إِنفاق في سبيله ، ولانه مما سيرد اليهم اضعافاً مضاعفة .
وقد غير سياق الخطاب من الامر الى الاستفهام
فقيل بعد قوله : وقاتلوا في سبيل الله : من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ، ولم يقل : قاتلوا في سبيل الله واقرضوا ، لينشط بذلك ذهن المخاطب بالخروج من حيز الأمر غير الخالي من كلفة